Close ad

محمد سمير عبد السلام يكتب لـ"بوابة الأهرام": أصالة الصوت المهمش عند خيري شلبي

31-1-2015 | 18:57
محمد سمير عبد السلام يكتب لـبوابة الأهرام أصالة الصوت المهمش عند خيري شلبيمحمد سمير عبد السلام
ثمة مآس تكمن في عمق الوجود الإنساني، وفي مستويات شخصية ملكية تشبه أوديب، وهملت، ومكبث، وريتشارد، وقد تنبع من تعارضات بين بطل نقي، وصيرورة الأحداث الزمانية، والمكانية التي تضعه فجأة أمام حقيقة مأساته التي تشبه كشف العراف تريزياس لأوديب مأساة زواجه من أمه.
موضوعات مقترحة


بيد أن مآس أخرى تتعلق بأبنية ثقافية، واجتماعية حتمية تسبق ميلاد الشخص / موضوع المأساة، أو تقترن بحضوره الخاص، و مسيرته.

وأعتقد أن النوع الأخير من تلك المآسي الفنية، الذي يتعلق بالشخصية الهامشية في الأدب قد ورد في أعمال لدوستوفسكي، وتشيكوف، وبيكيت، وإدوارد أولبي، وباتريك زوسكيد، وبنتر، وغيرهم؛ وهو ما أجاد في وصفه الأديب المصري الراحل الكبير خيري شلبي؛ فقد كشف الراوي عنده عن العالم الداخلي للمهمش، وأبرز كينونته التي تقع في مواجهة بنى القهر اللامعقولة؛ وكأنه يكشف عن حدة التناقض في المشهد الاجتماعي / النصي، وكذلك عن المبدأ الحواري الذي يكمن في تعارض خطابات الشخصيات القصصية، وما تحمله من رؤى متصارعة وفق مفهوم باختين؛ وإن ثراء المهمش، وانفصاله الحاد عن حالة التشيؤ العبثي الميكانيكي، وآليته الطبيعية المرحة، والمضادة للسياق السابق، توحي بأن إنتاجية النص القصصي، وتداعيات وظائفه السردية الجزئية تسير باتجاه تجاوز الهامشية، واكتساب أصالة مستعادة تكمن في عمق الصوت، ونقائه الأدبي القديم المتجاوز لمركزية المأساة.

ويمكننا ملاحظة مجموعة من التيمات الفنية، والتقنيات القصصية التي تعبر عن كتابة خيري شلبي من خلال مجموعة (الدساس) الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب سنة 1998 ، ونعاين فيها ميله لتصوير الشخصيات الفنية الفريدة، ومزج الحلم بالذاكرة، والسياق الواقعي، والنزوع إلى التعاطف الكوني، وأصالة الصوت المهمش، وغيرها.

ومن الشخصيات الفريدة في المجموعة؛ شخصية الجدة معزوزة الاستثنائية في قصة (الدساس)؛ فرغم تجاوزها عمر المائة، يشير الراوي إلى احتفاظها بالذاكرة، والصحة، ثم نلاحظ توتر الجدة بين الرعب، والدهشة حين يقص الراوي عليها حلما يتطابق مع تاريخها، وذاكرتها، ثم تمتزج في وعيه بإيحاءات الأمومة المفقودة، والريبة والانفصال عنه في آن.

إن الحلم في النص هو مرآة للذاكرة، ولتاريخ الجدة، الحلم تاريخ نصي منتج لعلاقات سردية عائلية جديدة بين الراوي، والجدة، وهو وسيلة تكشف عن منطق الاستبدال في الواقع المتداخل مع نطاق الاستبدالات الحلمية المتجاوزة للمنطق؛ فالجدة تبدو كأم، والراوي يشبه جده على في علاقات جديدة متناغمة، تتعارض مع مخاوف الجدة المستمرة، والمحتملة.

ومن القصص الكاشفة عن تقنيات خيري شلبي المجددة في الكتابة القصصية، قصة (قلب الشجرة)؛ فشجرة الجميز التي اقترنت بحياة الأسرة، ومسيرتها اليومية، قد اتخذت موقع البطولة في النص بعد أن قطع فرع رئيسي بها بتوصية من الأم؛ لتوسيع المكان، ثم بزوغ قلب تشكيلي دامع مكان الفرع الناقص، وبكاء الأم، والأب عند رؤيته.

الشجرة مفتتح لعلاقات ثقافية تتعلق بالموت، والحياة، وتجدد القوة الملكية القديمة التي تشبه مدلول الغصن الذهبي عند فريزر، ويكسبها النص السردي حياة خفية، وانفعالات تعبيرية توحي بالتحول، والأصالة، وتعددية العالم المتجاوزة لمركزية النسق الواقعي للشخصيات، وبحالة التعاطف الكوني في مستوياتها المتعلقة بتشكيل القلب على الشجرة، وتأويلاته المحتملة من جهة، ومستوياتها المتعلقة باللاوعي، والذاكرة الجمعية، وارتباط الإنسان بالشيء، ودلالات الموت، والحياة فيه من جهة أخرى.

وتتنازع تأويلات الحضور، والغياب شخصية المهمش في قصة (الشفق)؛ فالبطل يستشرف واقعا حلميا، ويغيب فيه كتأويل لوجوده الخاص، ويتزوج فيه فتاة جميلة، ويكون له منزل واسع، وخادمة للطفل، ثم يجد نفسه متزوجا، ويعاين صخب الازدحام في أوتوبيس يتجه نحو الظلمة.

لقد أفاق البطل في المتوالية القصصية الثانية التي تبدو كتأويل واقعي يتصارع مع تأويله الأول؛ و كأن السارد يفكك بنية الحلم، والواقع، والحضور، والغياب معا.

ويوحي مشهد السيارة، واتجاهها للظلمة بسوريالية الصورة؛ وكأن الحلم يوشك أن يولد مرة أخرى في نهايات البنى الواقعية.

ويولد البطل المهمش النقي / الطفل من قلب المأساة في قصة (عدل المسامير)؛ فالأب يسلمه للنجار، والأخير يعاقبه بصورة غير عقلانية حول مهمة عدل المسامير، ثم يعلقه بين السقف، والأرض في إحدى الليالي، ويتذكر البطل هذه الواقعة طوال حياته بعد ذلك.

صورة المهمش المعلق بين السماء، والأرض تستعيد عذابات أورفيوس، وسيزيف، وبرومثيوس في الأساطير، وتاريخ الأدب؛ إنه يقاوم ميكانيكية العبث بالكشف عن أصالة الحياة الغريبة عن اللامعقول في النص.

وتتباين الرؤى المتصارعة بين تجار القطن، والأطفال المهمشين في قصة (حصاد البؤس)؛ فخطاب التاجر يغلب عليه المنطق النفعي، واستغلال الحتميات، بينما تغلب البكارة المرحة الممزوجة بالبؤس المصاحب لصيرورة الشخصية على خطاب الأطفال، ويظل الصراع ممتدا في كتابة خيري شلبي باتجاه ثراء الهامشي.

وقد أجاد خيري شلبي في رسم البورتريه الخاص بعمالقة الكتابة، والنغم في كتابه (صحبة العشاق) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1996.

ويصف خيري شلبي - في الكتاب – صورة لفؤاد حداد الذي يلقبه بالوالد، في كتابة تتداخل فيها الأخيلة الفنية، بحضور حداد الشخصي، وبمشروعه الفني، والحضاري معا.

يشبه شلبي عيني حداد بالبحر المتوسط، وأنفه بقناة السويس، وابتسامته بالشعر في صورة مرئية، ثم يرى أنه يدخل الشعر من خلال مسار شعوري متدفق كالمطر. (راجع / خيري شلبي / صحبة العشاق / هيئة الكتاب 1996 / ص 173، و 177).

إن خيري شلبي يستعيد أطياف فؤاد حداد التي تجمع بين صورة الجسد، وبلاغة الشعر، وخريطة الوطن، وذاكرتها الثقافية الأصيلة، والممزوجة بأصالة صور حداد الجمالية، والكونية المستعادة.
كلمات البحث
الأكثر قراءة