جاءت زيارة الرئيس مرسي الى روسيا في إطار حملة علاقات عامة يقوم بها منذ توليه الرئاسة بعد انتخابات يونيو 2013، ويلاحظ أن تنوع الدول التي زارها أحيانا كان يوظف لتوجيه رسالة مفادها، أن النظام الحالي يختلف عن النظام السابق من حيث نزوعه لتنويع علاقاته الخارجية وعدم اقتصاره على واشنطن.
موضوعات مقترحة
ولذا حرص الرئيس مرسي على زيارة عدة دول لم يعتد مبارك على زيارتها مثل زيارته للصين، ولكن من الواضح أن مؤسسة الرئاسة لا تتبنى خطة واضحة لتوجيه السياسة الخارجية المصرية، على نحو يخدم مصالح الدولة.
كان هدف الرئيس مرسي من زيارته لروسيا اقتصاديا بصورة كبيرة، حيث سعى للحصول على مساعدات اقتصادية في ثلاثة مجالات رئيسية، تعاني مصر فيها من أزمات حقيقية منذ وصوله للسلطة، وهي الغاز والقمح والعملة الأجنبية، حيث يدرك الرئيس مرسي أن معالجة هذه الأزمات سواء بمساعدة روسية أو أمريكية، كفيل بتدعيم حكمه خلال المرحلة المقبلة، وتجنب أي محاولات للإطاحة به، بخاصة مع توقع تفاقم أزمتي الغاز والقمح مع قرب فصل الصيف وتزايد الطلب على الكهرباء، وارتفاع الأسعار، بخاصة إذا ما اتجه لرفع الدعم عن الطاقة وعن الخبز، وهو ما بدأت مصر تشهد بوادره مع تزايد الازدحام على محطات البنزين، التي لم يعد يتوافر فيها البنزين كما السابق، ومع تعثر حصول المواطن على حاجته من الخبز، وذلك إلى جانب استمرار تدني قيمة الجنيه المصري في مقابل الدولار.
-مصالح روسية محددة:
يمكن تفسير عدم تقديم روسيا ماطلبه الرئيس مرسي من مساعدات خلال زيارته موسكو، بأن ما يحرك روسيا هو المصلحة بالدرجة الأولى، ومدى خدمة مصر خلال المرحلة الحالية لتلك المصلحة، بخاصة في ظل استمرار الصراع في سوريا، وعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط.
فمن ناحية، تعد حاجة روسيا الاقتصادية لمصر محدودة، فاعتماد مصر الاقتصادي على روسيا أكبر من اعتماد روسيا الاقتصادي على مصر، حيث تعد مصر الشريك التجاري رقم 18 لروسيا، وفق إحصاء المفوضية الأوروبية لعام 2011، وتستورد .4% من إجمالي الصادرات الروسية للعالم، وتوفر .2% من إجمالي الواردات الروسية من العالم، وفي المقابل تعد روسيا الشريك التجاري الثالث لمصر على مستوى العالم، بعد الولايات المتحدة والصين على التوالي، وتوفر 11.6% من إجمالي الواردات المصرية من العالم، بينما تصدر مصر لروسيا 7% من إجمالي صادرات مصر للعالم، كما تعد السياحة الروسية مصدرا مهما للدخل القومي المصري، حيث كانت ترسل 3 ملايين سائح سنويا، ولكن تراجع هذا العدد بعد الثورة، كما أنها تعد مصدرا رئيسيا للقمح الذي يعتمد عليه المواطن المصري في الحصول على حاجته من الخبز.
وفيما يتعلق بملف الغاز، تدرك روسيا حاجة مصر لزيادة صادراتها من الغاز المسيل من شركة جازبروم الروسية، ولكن في المقابل تحتاج روسيا لضمانات من الحكومة المصرية بحصول شركات التعدين الروسية على امتيازات في مجال التعدين، بخاصة أن شركة فرتكس الروسية تعاني من مشاكل مع الجهاز البيروقراطي المصري منذ 2009.
إلى جانب ذلك، يمر الاقتصاد الروسي شأنه شأن اقتصادات باقي الدول الأوروبية بأزمة اقتصادية، تجعل من الصعب تلبية طلب الرئيس مرسي بالحصول عل قرض بقيمة 3 ملايين دولار، وتشير مصادر روسية إلى أن المبلغ المطلوب من مصر ليس مبلغا صغيرا.
مشكلة الإخوان:
ومن ناحية ثانية، توجد حالة من عدم الثقة من قبل النظام الروسي في تجاه التوجهات الخارجية للنظام الجديد في مصر، بخاصة مع حقيقة كون الرئيس الحالي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث لعبت هذه الجماعة بأفرعها المختلفة في العالم دورا في دعم حركة التمرد في الشيشان والتي تتعامل معها روسيا على أنها جماعة إرهابية، تهدد الأمن القومي الروسي.
حيث نشطت جماعة الإخوان في فترات سابقة في تنظيم حملات تبرعات للمجاهدين الشيشان، كما لعبت دورا في تصوير ما يجري هناك على أنه "جهاد"، وفي المقابل، عملت روسيا بخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر على تصوير حربها مع الشيشان على أنها جزء من الحرب على الإرهاب.
وقد كان هذا ذريعة لتصنيف المحكمة العليا في روسيا لهذه الجماعة على أنها جماعة إرهابية وحضرت نشاطها في روسيا منذ العام 2003.
وبرغم أن المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر محمود غزلان، قد أثار هذه المسألة مع السفير الروسي في مصر، فإنه لا يوجد موقف واضح في روسيا من مسألة حصر الحظر على جماعة الإخوان التي تعمل في روسيا فقط، أو إزالة الجماعة نهائيا من على قائمة الجماعات الإرهابية.
إلى جانب ذلك، ترتبط أهمية مصر لروسيا من الناحية السياسية بالدرجة الأولى بنفوذها السياسي في الإقليم، وبقدرتها على التأثير في الملفات التي تهم روسيا. وتحتاج روسيا لموقف مصري مختلف من عدد من الملفات الإقليمية، وتحديدا الصراع في سوريا، حيث لا يزال الموقف الروسي يستند إلى اتفاقية جنيف يونيو 2012، التي تقوم على فكرة الحوار بين المعارضة والنظام السوري، ولكن في المقابل لايوجد موقف مصري ثابت من سوريا.
ففي الوقت الذي تشارك فيه مصر في مؤتمر أصدقاء سوريا وتطالب فيه بالحل السياسي، ورغم طرح الرئيس مرسي مبادرة الرباعية الإقليمية بعد القمة الاسلامية في مكة في يوليو 2012، والتي تقوم على الحوار بين مصر وتركيا وإيران والسعودية من أجل الحل السلمي للصراع في سوريا، والتي دعمتها روسيا، تخرج من حين لآخر تصريحات من دوائر قريبة من الرئاسة تطالب بتسليح المعارضة السورية، كما أن الدعم الذي تقدمه جماعة الإخوان المسلمين في مصر للإخوان في سوريا يثير مخاوف روسيا حول البديل المحتمل للأسد.
و هناك تخوف روسي من أن من سيخلف الأسد في سوريا هو جماعة الإخوان السورية، وهو ما يمثل تهديدا للمصالح الروسية في المنطقة.
تظل مصر مهمة لروسيا، برغم التغيرات التي تشهدها خلال المرحلة الحالية، وهو ما قد يؤدي إلى تغير في الموقف الروسي من تقديم المساعدات لمصر، ولكن قد يتطلب الأمر من مصر أن تقدم تنازلات محددة لروسيا بخاصة فيما يتعلق بالقضايا السياسية.