لم تكن مبادرة حياة كريمة، التى أعلنتها الدولة، وقررت من خلالها تطويرحياة الـ 4500 قرية الأكثر فقراً وتوابعها على مستوى الجمهورية، مفاجأة للمصريين، بقدر ما كانت مفاجأة لعدد من المراقبين، لاسيما أن تكلفة المبادرة تصل لـ 500 مليار جنيه مصرى، وهومبلغ كبير للغاية، لايصدر إلا من دولة متقدمة اقتصادياً، مع دخول العالم فى العام الثانى من جائحة كورونا وما خلفته من أزمة اقتصادية طاحنة، كانت سبباً فى تشريد الملايين على مستوى العالم.
فقد كانت هناك شواهد سابقة تؤكد أن الدولة عازمة بكل صدق، على توفير حياة كريمة و آمنة لكل أبنائها، خاصة الأكثر احتياجاً، فما تم انجازه فى ملف العشوائيات دليل حى على ذلك، فقد نقلت سكانها من العيش وسط أماكن لا تتوافر بها أى درجة من درجات الانسانية، أماكن تحوطها الأمراض، لمساكن صحية وآدمية، دون أن يتكلف أحد سكان العشوائيات جنيها واحداً. إضافة لما فعلته الدولة فى ملف الجراحات العاجلة عندما قضت تماما على كل قوائم الانتظار، ولم يتبق مريض واحد فى حاجة لأى جراحة عاجلة.
وبهذه المناسبة، ينبغى الإشارة إلى أن الدولة بتطبيق تلك المبادرة المحترمة، وغيرها من مبادرات أخرى أطلقتها لتوفير كل مقتضيات الأمن و الأمان لمواطنيها، كانت تعطى دروساً عملية واضحة فى تطبيق معايير حقوق الانسان بصورة مبهرة، دون انتظار تكريم أو إشادة من المتربصين. وذلك يتسق مع توفير الحياة الآمنة للناس الأكثر فقراً، والتى تبدأ من توفير مسكن آدمى، مؤثث بالاحتياجات الأساسية، مع توصيل مياه الشرب، وكذلك الصرف الصحى، ليكسو التحضر معالم حياة تلك القرى وتوابعها، فتصبح تلك القرى مراكز إشعاع حضارى راقية.
وهذا يتواكب أيضا مع تبطين الترع التى تشق مصر بكل ربوعها، وهو مشروع تنموى رائع بكل المعايير، ظاهره توفير الهدر فى المياه، وباطنه توفير بيئة راقية لأهلنا البسطاء، كحافز ايجابى يدعو للبناء، فإحقاقاً للحق، كانت الترع مليئة بكم من الملوثات، تكفى للإصابة بعدد من الأمراض القاتلة، فجودة الماء بداية للوصول لجودة الهواء، وهذا يذكرنا بما فعلته الدولة فى منظومة الصحة والعلاج على نفقتها، فى عدد من الأمراض المستعصية، كفيروس «سي»، وغيرها من الأمراض، التى قضت عليها الدولة دون أن يتكلف أى مريض جنيهاً.
لقد كان الفلاح حتى الثلث الأخير من القرن الماضى، عنصرا منتجاً، ينتج قوته، وكان من العيب فى عرفه و تقاليده، أن يأتى بغذائه من يد غريبة، كأن يشترى خبزه من الأفران الخاصة، أو أن يذهب للسوق لشراء احتياجاته، فقد كان يأكل من إنتاج أرضه، ويربى فى بيته الدجاج و ما شابه، وكذلك كان يستثمر فى تربية المواشى، لذلك كان الفلاح من أهم المنتجين، ولم يكن يمثل عبئاً على الدولة من ناحية الاستهلاك، إلى أن تحول رويدا رويدا من عنصر منتج قادر على تحقيق الربح، لعنصر مستهلك يحتاج للدعم، فأمسى يمثل عبئاً على الموازنة العامة للدولة! لذلك أتمنى أن يستعيد الفلاح عرشه مرة أخرى و نستغل فرصة تطوير حياة الريف، من خلال مبادرة حياة كريمة، ونعمل على تحويل الفلاح لمنتج مرة أخرى و هو بالفعل يملك قدرات كبيرة باستغلالها، يستطيع تغيير نمط حياته وتحويله للنمط الانتاجي. الفكرة تقوم على جعل الفلاح كوحدة انتاج صغيرة، وكل واحد وما يستطيع أن يقدم ليكون عنصرا فعالا، بمعنى، من يستطيع أن يربى ماشية، أو دجاجا، أو خرافا وهكذا، كلٌ حسب إمكاناته و المساحة المتوافرة لديه.
وهنا أقترح عمل مبادرة خاصة بالفلاح على غرار مبادرة المشروعات الصغيرة و المتناهية الصغر، التى قام بها البنك المركزى المصرى، وكانت فى حدود الـ 200 مليار جنيه، أعتقد أنه قد استفاد منها مئات الآلاف من المشروعات بحسب ما أعلن البنك المركزى فى مرات عديدة. فلنتخيل، إذا خصصنا مبلغا ماليا مناسبا، وأطلقنا عددا من الأفكار الخاصة بتنمية الريف المصرى تعنى بتغير النمط الاستهلاكى للفلاح و تحويله لنمط انتاجى، يستطيع من خلاله تحقيق ربح معقول، و تستطيع الدولة معه توفير أنواع متعددة من اللحوم بأنواعها المختلفة بأسعار معقولة لمواطنيها الذين يفوق عددهم الـ 100 مليون نسمة.
والأمر يمكن أن يشمل قطاعات أخرى غير الغذاء، فهناك قرى تشتهر ببعض الزراعات ذات الشهرة الدولية، يمكن تمويلها لبناء مصانع تعبئة على سبيل المثال، أو المعاونة فى تسويق منتجاتها، من أجل الحصول على أفضل الأسعار. الريف المصرى مليء بخيرات كثيرة،
وكذلك بحرف متنوعة، يمكن برعايتها، وتقديم العون سواء كان ماديًا أو تسويقيًا من خلال بيوت خبرة معتمدة، أن يضحى الريف أحد أهم مراكز الإنتاج، وهناك قرى تشتهر بإنتاج الياسمين، وأخرى بانتاج المانجو .. وهكذا. على مر سنوات سابقة جُرف الريف من خيراته بفعل متعمد، حتى نضطر لاستيراد جزء غير قليل من احتياجاتنا الغذائية من الخارج، لصالح حفنة من الناس، اليوم تقدم الدولة للفلاح دعماً غير مسبوق، وما حدث مع ملف المتعثرين من الفلاحين مبهر ورائع، ويدل على الاهتمام الكبير الذى توليه الدولة للفلاح. فهل آن وقت معاونة الفلاح على استعادة عرشه السابق، حينما كان عنصرا مهما فى عناصر الانتاج الوطني؟