Close ad
23-2-2021 | 17:12
الأهرام اليومي نقلاً عن

عرفت الحضارة العربية الإسلامية فترة ازدهرت فيها الفلسفة، من القرن الثالث إلى القرن السابع الهجرى. ومنذ بداياتها الأولى فى الثقافة الإسلامية كانت الفلسفة، ومعها علم المنطق بالتبعية، تتعرض لهجوم الفقهاء المتشددين. ورغم ذلك كانت تنمو وتزدهر وبلغت أوجها فى القرن الرابع الهجري. نعرف ذلك من المؤلفات المهمة والمتنوعة التى تركها لنا أعلام الفلاسفة مثل الكندى والرازى والفارابى وابن سينا والغزالى وابن رشد، ومن الحظوة التى كان يتمتع بها هؤلاء الفلاسفة لدى الأمراء ومن المكانة العالية التى يحتلونها لدى مؤلفى الفهارس والتراجم. 

ثم جاء زمن أصبحت فتاوى تكفير دراسة المنطق والفلسفة فعالة وهو زمن ابن الصلاح وابن تيمية فى القرن السابع الهجري. واختفت الفلسفة والمنطق بالتالى من المشهد الثقافى العربى. وبعد ذلك على مدى ستة قرون لم نعد نجد فيما يخص الفلسفة مؤلفات أو ترجمات أو شروح أو ملخصات ولا يتم تدريسها فى أى مكان. حتى جاء القرن التاسع عشر وبدأ الإحساس بأن شيئاً مهماً ينقص الثقافة العربية. رفاعة الطهطاوى بخلفيته الدينية عبّر عن توجسه من الأفكار الفلسفية فى فرنسا فى كتابه تخليص الإبريز لكنه بعد ذلك عكف على ترجمة كتاب قلائد الفلاسفة. ومع انتشار الصحافة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وبداية التعرف على الاتجاهات الفكرية فى الغرب بدأ تداول أسماء مثل فولتير وروسو وماركس وميل ونيتشه فى الصحف المصرية.

أحمد لطفى السيد هو الذى أدرك أهمية حضور الفلسفة وضرورة وضع خطة عملية لإعادتها إلى الثقافة العربية من جديد. ولتحقيق ذلك سار فى طريقين: الأول هو افتتاح قسم للفلسفة فى الجامعة الأهلية عام 1908. وخاض من أجل ذلك معركة شرسة، لأن المعارضين كانوا كثيرين. رجال الأزهر الذين استعادوا إدانات فقهاء العصور الوسطى للفلسفة، والمفكرون التقدميون مثل شبلى شميل الذى كان يرى أننا أحوج ما نكون إلى الفيزياء والكيمياء والهندسة فى حين أن الفلسفة ليست إلا علماً كلامياً يضاف إلى العلوم الكلامية التى تزخر بها معاهدنا، والإنجليز الذين ناشدوا رجال الأزهر أن يقطعوا الطريق على هذه المحاولة، والفرنسيون حيث كتبت جريدة البروجريه إجيبسيان أن هناك خوفاً على عقيدة المصريين من تدريس الفلسفة.

ويسخر لطفى السيد قائلاً: ومنذ متى يقلق الفرنسيون على عقائد المصريين؟ تكللت جهود لطفى السيد بنجاح وتم افتتاح قسم الفلسفة بالجامعة الأهلية. واستقدمت ادارة الجامعة للتدريس فيه كبار الأساتذة من فرنسا مثل أندريه لالاند مؤلف القاموس الفلسفى والكسندر كواريه فيلسوف العلوم بهدف تكوين جيل من الأساتذة المصريين مثل مصطفى عبد الرازق وابراهيم مدكور وعبد الرحمن بدوى وزكى نجيب محمود. 

الطريق الثانى هو الترجمة، لأنها هى التى ستسمح لفكرنا المعاصر بالتعرف على المشكلات التى تتناولها الفلسفة وتجعله على ألفة بمصطلحاتها الخاصة.ورغم تصريح لطفى السيد بأنه ينتمى للمدرسة النفعية الليبرالية الانجليزبة عكف على ترجمة الأعمال الكبرى لأرسطو.

أما لماذا أرسطو فذلك يرجع لأهميته فى تاريخ الفلسفة ولأن الفلسفة العربية الاسلامية فى تاريخها الزاهر كانت تتناول بالأساس فلسفة أرسطو، وأخيراً أرسطو عتبة مهمة للولوج إلى أعمال الفلاسفة المعاصرين. وحينما أصدر لطفى السيد أولى ترجماته وهى كتاب الأخلاق لأرسطو عام 1924 نشرت صحيفة الأهرام فى صفحتها الأولى قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقى يشيد فيها بصدور الترجمة. وتوالت ترجمات كتب أرسطو: الطبيعة ثم الكون والفساد ثم السياسة.

لماذا كانت عودة الفلسفة ضرورة حيوية لثقافتنا المعاصرة؟ تسمح الفلسفة فى نظر لطفى السيد بتحقيق ثلاث غايات. الغاية الأولى، نظراً لأنها تعتمد على إعمال العقل فإنها تشجع على التقدم العلمى. لقد ازدهر العلم جنباً إلى جنب مع الفلسفة، يدل على ذلك اقترانهما معاً فى العصر الذهبى فى أثينا وفى الإسكندرية وفى بغداد. وحينما توارت الفلسفة خبا نور العلم.

الغاية الثانية هى زيادة المتشابهات بين أبناء الأمة ويعنى بها تبنيهم منهجا عقلانيا فى التفكير والاتفاق على معايير فى الحكم على الأشياء والاشتراك فى مجموعة من القيم العليا. الغاية الثالثة هى أننا لا نلحق بالعصر الحديث إلا بالتخلص من الاستبداد وتبنى الديمقراطية. والديمقراطية تعنى أن يوجّه الرأى العام للمواطنين سياسة الحكومة. ولكى يوجهها فى الاتجاه الصحيح ينبغى أن يكون هذا الرأى العام مستنيراً.

انتشرت الفلسفة خلال القرن العشرين فى أقطار العالم العربى وفى جامعاته، ولكن هل حققت الغايات المنتظرة منها؟ هنا سوف يساورنا الشك ولكن علينا أن نتذكر أن عودتها مازالت حديثة العهد، وأن الطريق مازال أمامها طويلا وأنها لم تسلم بعد من الهجمات. بدلاً من أن نسأل عما حققته الفلسفة دعونا نتصور فكرنا المعاصر وقد خلا تماماً منها. أظن أن الحال ما كان له إلا أن يبقى استمراراً لظلام وركود القرون السابقة. 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
فخ التكنولوجيا

كل الكائنات الحية لديها خطط وحيل لتدبير أمورها للحياة فى وسطها الطبيعى ولكن الإنسان هو الكائن الوحيد من بينها الذى يمتلك التكنولوجيا. وغاية الإنسان من