لأسباب عديدة، تسكن الانقسامات أحزاب اليسار أكثر من اليمين. الانضباط الحزبي حديدي داخل اليمين، بينما التماسك والالتزام ضعيفان لدى اليسار الذي تشله الخلافات الأيديولوجية. العمال ببريطانيا والاشتراكيون الفرنسيون والإيطاليون نماذج شهيرة على أحزاب أسهمت خلافاتها الداخلية بإبعادها عن السلطة أكثر من الخصوم.
ترامب يكسر هذه القاعدة. يشعل حربًا أهلية داخل الحزب الجمهوري بعد نجاة أمريكا من حرب مماثلة عقب رفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية وإصراره على سرقة بايدن لها.
«شخص عنيد حاقد متجهم الوجه. الحزب لن يكون محترمًا أو قويًا بوجود سياسيين مثله بالقيادة».. هكذا وصف ترامب زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ ماكونيل. لم تمض أيام على إنقاذه من محاكمة «الشيوخ» بتهمة التحريض لاقتحام الكونجرس 6 يناير الماضى، حتى خرج من منتجعه الفاخر لينتقم ليس فقط من أعدائه الديمقراطيين بل خصومه بالحزب، وعلى رأسهم ماكونيل الذى صوت لمصلحة براءته لكنه ألمح لإمكانية محاكمته جنائيًا.
لم تعد خلافات الحزب الجمهورى حول السياسات والأفكار المحافظة بل حول القرب أو الابتعاد عن ترامب. كل شىء أصبح بمثابة استفتاء عليه. يريد أن يطبع الحزب بأفكاره التى حاول تنفيذها خلال رئاسته. معيار دعمه لمرشحى الحزب للانتخابات ليس مبادئ الحزب بل رضاه عنهم. لا مكان للمعتدلين أو الذين يعتقدون بمد الجسور مع الآخرين. إنها قبيلة ترامب الجديدة.
قبل أيام، توفى المذيع المحافظ راش ليمبو الذى وصفه الكاتب الأمريكى ستيفن كولينسون بأنه ترامب قبل ظهور ترامب. كان يقدم برنامجا إذاعيا يوميا يغذى العنصرية والتحيز ونظريات المؤامرة والنكات حول الرياضيين السود وملابس النساء والسخرية من اللغات الأجنبية.
أفكاره أوصلت ترامب للرئاسة، لذلك ليس غريبا أن يصفه بأنه كان أسطورة وأن الاستماع إليه أشبه بطقس دينى. ترامب يريد أن يتربى الجمهوريون على برنامج ليمبو ويرضعوا أفكاره، ولا يهمه ما إذا كان ذلك سيفجر الحزب أم لا؟.
بداية التسعينيات، اشتعلت الخلافات داخل حزب المحافظين البريطانى. آنذاك، قال جون ميجور رئيس الوزراء إن الحزب كنيسة واسعة تضم كل الأطياف. ترامب يريد حزبًا عنوانه ومضمونه الترامبية وفقط.