هل حققت لنا التكنولوجيا السعادة التي كنا نتمناها؟
سؤال إن طرحته على أي جماعة من الناس، غالبًا ستتراوح إجاباتهم بين "إلى حد ما" لدى الشباب، و"النفي القاطع" لدى الأكبر سنًا، خاصة لمن أدرك زمنًا من الماضي، حين كانت "عدة التليفون" في المنزل أداة الأسرة للتواصل مع العالم الخارجي، وشاشة التليفزيون "الأبيض والأسود" وميكرفون الإذاعة هما مصدره الوحيد لمعرفة أخبار العالم..
صحيح أن التكنولوجيا رفعت مستوى الرعاية الصحية، وزادت من عمر الإنسان الافتراضي، ورفعت من مستوى نوعية الحياة..
وأن الذكاء الاصطناعي سيجعل حياتنا أسهل بكثير، وإن كان سيبتلع ويُلغي أغلب وظائفنا.. وإنترنت الأشياء، سيجعلنا نتحكم في كل شيء من حولنا..
وأن تكنولوجيا تعديل الجينات تعدنا بإمكانية القضاء على معظم الأمراض المستعصية في المستقبل..
وأن العقود المقبلة ستشهد نمو ظاهرة "الأطفال حسب الطلب"، حيث تلبي الهندسة الجينية طلبات "الأثرياء" الراغبين في رفع مستوى السعادة والذكاء والمناعة لدى أطفالهم الذين لم يولدوا بعد.
باختصار تعدنا التكنولوجيا بأن العالم سيكون تحت أطراف أصابعنا..
لكن رغم كل ما نمتلكه من تكنولوجيا، فهذا كله قد لا يحقق السعادة، فأعلى نسب الانتحار في العالم في الدول الإسكندنافية، الأعلى دخلًا والأكثر رفاهية وتكنولوجية.. وبالتالي لا يمكن ربط سعادة أي شعب بسرعات الإنترنت..
ففي أمريكا، بلد الأحلام والأغنى والأكثر تقدمًا، يتراجع معدل السعادة بشكل تدريجي منذ عام 2005؛ وفق تقرير السعادة العالمي، الذي تصدره الأمم المتحدة، بمشاركة عدد كبير من الخبراء، حيث تأتي أمريكا في المرتبة الـ15 وفق تقرير هذا العام!
فالتكنولوجيا لم تحقق لنا السعادة فحسب، بل ربما كانت مصدر تعاسة.. كيف ذلك؟
التكنولوجيا خلقت نوعًا جديدًا من القلق يصفه العلماء بـ"الخوف على المنزلة الاجتماعية"، بسبب المقارنة التي يجريها الإنسان بين نفسه وبين الآخرين على فيسبوك وانستجرام، وما قد يسببه ذلك من ارتفاع مستويات "الحسد"، وما قد يعقبه من "حزن نفسي شديد"، خاصة بين الشباب.
مجرد شعور الناس بأن تفاصيل حياتهم وأفكارهم على شبكات التواصل الاجتماعي يتم مراقبتها من أفراد ومؤسسات وحكومات، خلق نوعًا من القلق، سيزداد بلا شك بمرور الأيام..
التكنولوجيا رفعت من حجم توقعات الناس، ما أدى إلى نتائج سلبية، فهناك دراسات كثيرة تؤكد العلاقة وثيقة بين الاستخدام المكثف للموبايل وشبكات التواصل الاجتماعي، وبين ارتفاع مستويات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، خاصة لدى الشباب.
ورغم ذلك كله، هناك باحثون ركزوا على الدراسات التي تقول أن أكثر من 50% من السعادة له علاقة بالجينات وليس بتأثير حياة الإنسان، لذلك يتوقعون أن يبحث العلماء في المستقبل عن طرق لتعديل الجينات بحيث يولد الطفل وعنده "استعداد جيني" للسعادة!
وعلماء آخرون يبحثون عن طرق لزرع شريحة في الجسم تستطيع ضخ محفزات لهرمونات السعادة في الدماغ بشكل مستمر، وهناك تجارب فعلية في هذا الاتجاه، وهذا يختلف طبعًا عن "شريحة إيلون ماسك" التي ستُزرع في الدماغ لعلاج الأمراض المستعصية، ما يعني أن الدماغ سيكون مستودع "شرائح"!!
ومعظم أدوية الطب النفسي تعتمد على التأثير في هرمون الدوبامين في الدماغ، باعتباره المسئول عن التوازن النفسي للإنسان وأساسي في مقاومة الاكتئاب، لذا يوصف بـ"هرمون السعادة"، فهو المسئول عن الشعور الجميل الذي يعترينا عندما يحدث ما يُرضينا..
والتكنولوجيا نفسها متهمة بالسعي باستمرار للتحكم في إفراز هذا الهرمون، لتجلب السعادة للإنسان.. لكن؛ لأنه هرمون وناقل عصبي حساس جدًا، يتهم بعض الباحثين شبكات التواصل الاجتماعي بأنها تسبب نوعًا من الإدمان لإنتاج هذا الهرمون في الدماغ، من خلال ردود الأفعال الإيجابية التي يحصل عليها الناس من متابعيهم وأصدقائهم من "ابتسامات وإشادات ولايكات..
ويبقى السؤال، هل الإنسانية اليوم أكثر سعادة فعلا بسبب التكنولوجيا؟!
باختصار، تعامل مع التكنولوجيا بقواعد صارمة، واستفد منها قدر حاجتك، وإن لم يكن لديك "الكفاءة النفسية" لمقاومة "إغراءاتها الضارة"، فغالبًا ستجلب لك التعاسة أكثر من كونها سببًا للسعادة..