ارتبط وعى كثير من المصريين بحلقات العمل الدرامي الشهير «رأفت الهجان»، الذى جسد فيه النجم الراحل محمود عبدالعزيز شخصية رجل المخابرات المصرية رفعت على سليمان الجمال. . و تفوق القصة الحقيقية للجمال فى إثارتها وأثرها ما عكسته حلقات المسلسل الذى مازال يتمتع بشعبية جارفة حتى اليوم.
موضوعات مقترحة
فالجمال، الذى تحل اليوم ذكرى رحيله الـ 39، إذ توفي فى 30 يناير 1982، كانت بدايات قصته لا تنذر بعظيم ما انتهت إليه. فالشاب المصري ولد فى صيف 1927، لأب يعمل تاجرا للفحم، وأم سليلة عائلة ميسورة فى دمياط، وكانت تجيد عدة لغات. كان لرفعت ثلاثة أشقاء، هم لبيب، ونزهة، وسامى، وكان الأخير غير شقيق.
انتقلت أسرته للقاهرة فى 1936، وبدأ يظهر على الشاب رفعت، ميله للهو وحب المسرح والسينما، حتى راوده حلم التمثيل، وبلغ فى تحقيق هذا الحلم أن أقنع الفنان بشارة وكيم بموهبته. واشترك بالفعل لاحقا فى ثلاثة أفلام، ليس بينهم فيلم «إشاعة حب» فى دور «لوسى» كما يشاع، وإنما بينهم فيلم «أحبك أنت». وبحبه للتمثيل، كانت الأقدار تعد الجمال لأداء دور بطولي على شاشة الحياة لاحقا، إذ كرس الرجل موهبته لأداء دور واحد فقط طوال 20 عاما.
ولكن قبل اضطلاعه بهذا الدور، درس الجمال علوم التجارة وأتقن معها الإنجليزية والفرنسية، قبل أن يتخرج عام 1946. بعد ذلك تنقل الشاب بين وظائف مختلفة وسافر لأكثر من دولة، منها أمريكا وألمانيا، ووقع هناك فى كثير من المشاكل مع الشرطة قبل أن يتم ترحيله عائدا إلى مصر. وفى مصر حاول تزوير جوازات سفر بهويات مختلفة، حتى تم اعتقاله للاشتباه فى أنه ضابط يهودي يدعى ديفيد أرنسون.
وكانت هذه بداية تعارف السلطات المصرية بالشاب الذكي رفعت، فبعد التأكد من هويته، تم تجنيده ليلعب دور «جاك بيتون» اليهودى فى قلب إسرائيل، التى سافر إليها عام 1955 تحت غطاء شركته «سينور للسياحة». عرف فى أوساط العالم المخابراتي المصرى بالمسمى الرمزي «العميل 313»، وذلك حتى انتهت مهمته وانتقل عام 1973 للاستقرار فى ألمانيا وارتبط هناك بمصالح عمل مع القطاع البترولي المصري، وهكذا حتى وفاته عن عمر ناهز الـ55 عاما، وفقا لما أورده الصحفى ماهر حسن.
يصفه الكاتب الكبير صالح مرسي، صاحب رائعة «رأفت الهجان»: «الرجل الذى يضع رقبته تحت المشنقة لمدة عشرين عاما ويعيش داخل إسرائيل وهى لا تعرف أنه مصري حتى وفاته أقل ما يقال عنه أنه أسطورة».
وصدق صالح مرسي فى وصف «الأسطورة»، إذ أن جهاز «الموساد» نالته صدمة عنيفة إثر إعلان المخابرات المصرية عن عملية «جاك بيتون»، فيوضح الكاتب الصحفى وجدى قنديل فى مقاله المنشور بتاريخ 4يناير 2003 بصحيفة الأخبار، أن الموساد زعم وقتها أن حكاية «بيتون» خيالية، حتى فجرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية القضية فى يوليو 1988، بإجراء مقابلة مع « فالتراود» الألمانية، أرملة بيتون وابنه دانيال.
كما شهد شاهد من أهلها عندما كشف محررا صحيفة «معاريف» الإسرائيلية شفى جاى، و جدعون مارون، عن ما تؤكده سجلات وزارة الداخلية الإسرائيلية من وصول من يدعى جاك بيتون إلى إسرائيل عام 1955، ليغادرها عام 1973 بدون رجعة، كما أثبتت تحرياتهما الصحفية أنه كان يقطن فى «2 شارع بيريز»، وكان دائم التنقل بين الشقق المؤجرة. وبناء عليه، اعترف عزرا هاريل، رئيس الموساد فى الستينيات، بأن بيتون شخصية حقيقية، مؤكدا أن الشكوك كانت متوفرة بوجود عميل مصري مخترق للأجهزة الإسرائيلية، «ولكننا لم نشك أبدا فى جاك بيتون»، وفقا لتصريحات هاريل.
وقد اعترفت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية بأن بيتون زود القاهرة بمعلومات محورية حول الاستعدادات الإسرائيلية لإلحاق نكسة 1967، كما قدم معلومات دقيقة مهدت لانتصار 1973. وزادت « جيروزاليم بوست» بالإشارة إلى علاقات بيتون الوثيقة بقيادات إسرائيلية ، مثل موشى ديان، وجولدا مائير، وعيزرا وايزمان.
وحسب وجدى قنديل، فإن بيتون أبلغ القاهرة عن مواقع خزانات ضخ «النابالم» بطول «خط بارليف»، مما ساعد المصريين على إبطالها وتحقق العبور. وفى مرحلة سابقة، أبلغ المصريين عام 1956 بعملية «قادش»، التى خططت لها إسرائيل لتدمير القوات المصرية المرابطة فى سيناء بعد حصولها على الأسلحة التشيكية وبعدها وقع العدوان الثلاثى. ويصف أحد قياداته تقرير الجمال حول «قادش» بأنه كان دقيقا كما لو كان ملازما لبن جوريون وقتها. كما كشف الجمال عام 1958 أسرار بناء مفاعل «ديمونة» النووى.
بداية الستينيات، خشى الجمال افتضاح أمره، خاصة أن الوقت ذاته شهد تكرار فضح عدد من العملاء الإسرائليين والأجانب، وطلب من رئيسه فى ميلانو اعتزال الجاسوسية نهائيا، فكانت الموافقة المصرية على أن يتم ذلك تدريجيا.
وحول مرحلة ما بعد الاعتزال، تحكى قرينة الجمال « فالتراود» الألمانية فى حوار أجرته الصحافة المصرية فى منزلها بفرانكفورت: « تعرفت على جاك فى فرانكفورت عام 1962 وتزوجنا بعد عودته من رحلة عمل بالنمسا بأسبوع واحد فقط وكنت وقتها مطلقة ولدى ابنة اسمها اندريه وكان عمرها 3 سنوات، وبعد تسعة أشهر أنجبنا ابننا دانيال، ولم أعرف اسمه الحقيقى الا بعد موته».
ومع ابنه فى أحد شواطىء تل أبيب ومع ابنه فى أحد شواطىء تل أبيب شركة الجمال.. الستار الخفى لمهمته الوطنية شركة الجمال.. الستار الخفى لمهمته الوطنية مشهد من مسلسل رأفت الهجان مشهد من مسلسل رأفت الهجان