أغرب وأصعب ما يواجهه العالم بعد ظهور فيروس كورونا المستجد.. ليس فى خطر انتشاره ولا كيفية مواجهته؟ ولا في عدد الموتى الذين يقضون يوميًا بسببه؛ بل الخطر كل الخطر هو اختراق خصوصية الأفراد الذي بدأ يلوح فى الأفق واضحًا وقويًا.
كان هناك تساؤل أو للدقة جملة مكررة مملة متداولة تقول: "العالم بعد فيروس كورونا لن يكون العالم قبله".. بالطبع هذه الجملة من منطقيات الحياة.
مثلما نقول العالم بعد القنبلة النووية لن يكون العالم قبله.. كذلك نفس الأمر بعد اكتشاف البنسيلين وبعد الصعود إلى القمر وبعد العديد والعديد من المؤثرات والإنجازات العالمية.
إذ إن المعضلة ليست فى الجملة ذاتها ولا منطقيتها.. المعضلة في نوع هذا التغيير؟.. وكيف سيكون؟ .. وما أثره علينا؟.. وكيف نكتشفه؟
مؤخرًا بدأت الصورة تتضح قليلًا قليلًا.. أن اختراق خصوصية الإنسان الفرد هو التغيير الذي سوف يحدث فى العالم بعد مرور الجائحة.
وحتى إنه ظهرت نظرية أدبية تقول: "مثلما قلصت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الحريات الشخصية للأفراد بشكل لا رجعة فيه، فإن (كوفيد - 19) سيؤدي لتآكل الخصوصية، تحت اسم الصحة العامة.. وكل ذلك عن طريق تطبيقات التتبع للفيروس".
لما ظهر الفيروس في نهاية 2019 ظهرت على أثره عدة تطبيقات في أكثر من مكان فى العالم لمتابعة وتتبع الناس المُصابين والمخالطين والمحتملين.. ظهرت التطبيقات نظريًا في محاولة لوقف انتشار الفيروس وتقليل أعداد العدوى.. تطبيقات أغلبها يعتمد على تقنية الجي بي إس GPS لجمع البيانات والمعلومات الجغرافية، وكثير من هذه التطبيقات يُجبَر المواطنين على استخدام الإعدادات الخاصة بالتطبيق.. وبالتالى اختراق كبير للخصوصية.. وقليل جدًا من تلك التطبيقات من لا يحتفظ بالبيانات الشخصية داخل مخازن الحكومات العالمية المختلفة.
فى الصين مثلًا تحتفظ الحكومة المركزية بكل بيانات المواطنين وتحركاتهم.. وفي تحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، لتطبيق Alipay Health Code الصيني، والذي يستخدم مزيجًا من البيانات لترميز الحالة الصحية للشخص وفقًا للون معين، أن بعض المعلومات التي يحصل عليها التطبيق تتم مشاركتها مع الشرطة.. وفقًا لما أشار إليه آندي موخرجي محرر بلومبرج.
وفي الهند ثارت ضجة كبيرة من الخبراء الأمنيين، بسبب تطبيق مشابه لما يجرى فى الصين.. وخوفهم من اختراق الخصوصية.
بينما تطبيق "كوفيدسيف" في أستراليا، على حسب ما أشارت مجلة ساينس أمريكان للعِلم، يعمل التطبيق بشكل تطوعي وغير ملزم للمواطنين، فيقوم المستخدم بإدخال الاسم، والسن، ورقم الهاتف، والرمز البريدي، ويبدأ التطبيق في العمل بخلفية الهاتف عند التحرك بتقنية بلوتوث.
فمثلًا، عندما يمر شخصان بجوار بعضٍ، وكلاهما يمتلك التطبيق على هاتفه، يتم حفظ هذه البيانات على هاتفيهما، وتشمل البيانات التاريخ، والوقت، والمسافة، وزمن التواصل أو بقاء كلٍّ منهما في محيط مسافة معينة، وتُحفظ تلك البيانات بشكلٍ مشفر.
تطبيق "واتساب" كان متعجلًا على جمع المعلومات واختراق الخصوصية لكنه أرادها أن تكون بشكل قانوني.. هو يخترق الخصوصية منذ زمن بعيد، فيعلم أرقام هواتفنا، ومع من نتكلم ونتواصل، بالإضافة إلى التحليلات الصوتية وتحليلات معرفة الأماكن عبر خاصية الجي بي إس.. هو عرض على المستخدم أن يشارك بعض بيانات مستخدميه مع شركة "فيسبوك" المالكة الرئيسية للتطبيق ويخصص مساحة للتفاعل مع الإعلانات.. ثارت الدنيا ولم تقعد، بسبب "بجاحة" التطبيق واتجه كثيرون إلى تحميل تطبيقات أخرى للدردشة غير واتساب.. فتراجع التطبيق خطوة للوراء وأجل مسألة الخصوصية عدة شهور.
هذا يحملنا إلى أن الإنسان هو السلعة التي تباع وتشترى خاصة بياناته وخصوصياته.. وهذا يحدث بشكل خفي في العصر الحالى ودون إعلان وضجة واستعجال كما حدث مع "واتساب" .. يحدث يوميًا مع جوجل وفيسبوك ومع الشاشات الذكية ويحدث مع تطبيقات فيروس كورونا.
يقول على عزت بيجوفيتش الزعيم البوسني: “يكون الحيوان خطيرًا عندما يكون جائعاً أو في خطر، أما الإنسان فيكون خطيراً عندما يشبع ويقوى.. وكثير من الجرائم تُرتكب بسبب الشبع والعبث”..
وأضيف على كلامه يكون الإنسان أخطر عندما يمتلك كثيرًا من التكنولوجيا أو ما يزيد على حاجته فيها.
الخلاصة أنه ربما بإمكاننا استعادة حياتنا والكثير من تفاصيلها الممتعة المعتادة قبل انتشار هذا الوباء، لكننا بالتأكيد سنكون مراقبين أكثر وخصوصيتنا أكثر مشاعًا وتداولا ولن نكون فى عين وقلب الحكومات الذكية؛ بل فى جيبها أو فى خوادمها أو فى دهاليزها الأمنية.
تويتر: @tantawipress