Close ad

برنامج الحكومة والبرلمان

22-1-2021 | 12:48
الأهرام اليومي نقلاً عن

أكثر ما أدهشنى فى برنامج الحكومة المقدم من الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء هو تراجع معدلات الفقر والبطالة فى مصر رغم جائحة كورونا التى أصابت معظم دول العالم بالشلل، وزاد فيها معدل الفقر والبطالة بصورة خطيرة، حتى أكبر الدول الصناعية التى حققت معدلات نمو سلبية بنسب بلغت نحو 15%، بينما كانت الحالة المصرية نادرة فى تحقيق معدلات نمو إيجابية وإن كانت أقل من المتوقع قبل الجائحة، والذى لم يكن وليد المصادفة، وإنما يرجع لسببين رئيسيين، أولهما النجاح فى تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، والثانى هو الدافع الوطنى وتوحد الشعب المصري، وقدرته على العمل والإنتاج فى كل الظروف.

شعرت بالسعادة من النجاحات الكثيرة التى قرأتها فى برنامج الحكومة، وخصوصا مساعدة الطبقات المحدودة الدخل، والفئات ذات الظروف الصعبة، وجهود التخلص من العشوائيات، ومشروعات الاستثمار المتنوعة، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى والبتروكيماويات، والقفزة الواعية فى إنتاج الطاقة الكهربائية، خاصة فى مجال الطاقة المتجددة، والتى كانت نتائجها مبهرة، وحصول مشروع الطاقة المتجددة فى أسوان على ترتيب عالمى كأفضل مشروعات الطاقة النظيفة التى تتوافق مع خطة التنمية المستدامة، وكان أهم ما أسعدنى أثناء مطالعتى مشروعات الحكومة اهتمامها الكبير بالتمدد العمراني، وإقامة شبكة من الطرق والقطارات الفائقة السرعة وتجديد شبكة السكك الحديدية القديمة.

ولكن للأسف قرأت بعض الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعى وغيرها تنتقد مشروع القطار الفائق السرعة الذى يربط العلمين على ساحل البحر المتوسط غربا بالبحر الأحمر شرقا، ووجدت تعليقات من نوع «ليس هذا وقته»، وأن تكلفته كبيرة، وأنه لا يمر بمدن كثيرة، وأشياء من هذا القبيل، سبق أن قرأت مثلها عند البدء فى إنشاء مترو الأنفاق وما تعرض له من حملات شديدة القسوة، ولهذا وجدت من المهم شرح البعد الإستراتيجى لهذا المشروع الضخم والحيوى والفريد من نوعه، فقد رأيت فيه أحد ملامح مستقبل مصر، لأنه أول خط سكة حديد عرضى يربط البحرين الأبيض والأحمر، ويمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومسألة أنه لا يمر إلا بالقليل من المدن نظرة قاصرة لا ترى الهدف الإستراتيجى المتعلق بزيادة مساحة الأراضى المأهولة.

فسكان القاهرة محصورون فى مساحة ضيقة بين المقطم والنيل، والقاهرة ازدحمت بشدة ومرافقها لا تحتمل هذا التكدس، واختنقت شوارعها، وارتفعت مبانيها، ومعها سعر الأراضي، وهذا ما نجده فى كل مدن وقرى الدلتا والوادي، فالقرى ازدحمت، وظهرت فيها العمارات الشاهقة التى تستخدم المصاعد الكهربائية، وسعر الأراضى أصبح خرافيا، واختنقت عواصم المحافظات، وزاد التعدى على الأراضى الزراعية، وتجريف تربتها وتبويرها، وكان لابد من حل جذرى وحقيقى لتلك المشكلة المستفحلة، ولا يمكن نقل السكان المتكتلين وبناء مجتمعات عمرانية حديثة ومتكاملة، تؤدى إلى نهضة شاملة فى الصناعة والزراعة والخدمات، إلا بشبكة طرق برية وسكك حديدية على أحدث النظم العالمية، فكان تنفيذ 4500 كيلو متر من خلال المشروع القومى للطرق أحد تلك الإنجازات الإستراتيجية إلى جانب القطار الفائق السرعة، لتتضاعف المساحة المأهولة فى مصر، وهنا أتذكر مشروع مترو مصر الجديدة الذى تسبب فى ظهور هذا الحي، فشعرت بأن رئة مصر قد اتسعت لتستمد قدرا كبيرا من الأكسجين والدماء النظيفة، وتتخفف من الاختناق الكبير والمزمن حول النيل وفروعه، وتفتح شرايين جديدة ستظهر فوائدها فى المستقبل القريب، وتنبت حولها عشرات المدن ومئات القرى، وآلاف المشروعات الصناعية والزراعية.

  •  كان يمكن للحكومة تأجيل بعض أو معظم المشروعات وتوجيه التمويل للدعم لكن العمل على التحديث الجذرى يؤكد الرهان على المستقبل والإصرار على القضاء على المرض وليس علاجه بالمسكنات     > تصوير ــ سليمان العطيفى


وكان يمكن للحكومة تأجيل بعض أو معظم تلك المشروعات، وتوجيه معظم التمويل للدعم، ليشعر المواطن بتحسن كبير مثل المريض عند حقنه بالمسكنات، وتترك تلك المشكلات المزمنة على حالها، لكن المواجهة الشجاعة لتلك المعضلة، والرهان على تغيير وجه مصر، والتحديث الجذرى والبعيد المدى سواء للأداء الحكومى من خلال التطوير الإدارى غير المسبوق والمعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وحتى التعليم وأدواته والزيادة الكبيرة فى عدد الجامعات وتحسين مستواها يؤكد بعد النظر، والرهان على صناعة المستقبل وليس الحلول بالمسكنات دون الاقتراب من المرض، وهى السياسات التى كانت متبعة طوال عقود، وراكمت من المشكلات والأزمات، وتسببت فى كل ما نواجهه من مصاعب، وبالطبع لم يعتد المواطن أن يرى تلك المشروعات المستقبلية، لأنه اعتاد على أن الحكومات كانت تلجأ لحل جزئى بالمسكنات لأى مشكلة دون التخطيط لعقود طويلة مقبلة، ولهذا رأيت أن من حق المواطن وواجب الإعلام أن يوضح ما تستهدفه تلك المشروعات التى يعتقد أنها تمديد لخطوط مواصلات فى صحراء جرداء.

ولابد من وقفة أمام دور مجلس النواب، وتأكيده على المناقشة الجادة والمتأنية لكل ما ورد فى بيان الحكومة، واستدعاء الوزراء لمساءلتهم حول ما يتعلق بوزاراتهم فى برنامج الحكومة، واستيضاح أجزاء وطلب تعديل أجزاء أخرى أو رفض نقاط معينة لأنها ليست أولوية، فى تأكيد للدور الرقابى لمجلس النواب وحقه فى الاستجواب والاستفسار وطلب الإحاطة، والتأكد من أن الإنسان المصرى ومصالحه واضحة بشكل جلى وفق الرؤية التى وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مشروع الانطلاق التنموى الشامل، والتركيز على المشروعات التى يجنى منها المواطن المصرى المقابل المناسب لتحمله الكثير من الأعباء بكل صبر وثبات وتضحية ورضا، لأنه يدرك أن تحمله لأعباء الإصلاح الذى تأخر طويلا بدأ يجنى ثماره، وهذا الدور المهم لمجلس النواب سيكون حافزا إضافيا لتشجيع الوزراء على المزيد من الإجادة، لأن هناك مؤسسة تشريعية تراقب وتحاسب وتراجع، وتشيد بمن حقق الأهداف، وتنتقد أى ثغرات أو عيوب أو تراخٍ، فهذا دور المؤسسة التشريعية التى تضم مختلف أطياف النواب من عدة أحزاب تعكس مختلف الآراء وتنقل نبض الشارع.

وإن كانت مناقشات بعض النواب تجنح أحيانا لمناقشة المشكلات المتعلقة بدوائرهم دون اهتمام كبير بالسياسات العامة، فإن أغلبية المناقشات ركزت على البعد القومى للمشروعات وبرنامج الحكومة، فالنائب لا يمثل دائرته الانتخابية فقط، وإنما يمثل مجموع مناطق مصر وربوعها، ولذلك اتسمت المناقشات بالثراء والعمق، وآراء نواب أحزاب المعارضة ابتعدت عن التصيد والكيد وارتفاع الأصوات، وناقشت بكل جدية، وتجنبت المعارضة الجوفاء من أجل المعارضة فقط، وقدمت مقترحات بتعديلات، وطلبت إيضاحات، وهذا هو التنوع الإيجابى الذى ننشده، ويبتغى المصلحة العامة، وينظر إلى المستقبل بعيون واثقة ومليئة بالأمل.

كلمات البحث
الأكثر قراءة