Close ad

هل سينجح بايدن في مواجهة الانقسام الأمريكي؟

20-1-2021 | 13:58

لم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة هذا المستوى من الانقسام المجتمعي والسياسي الذي خلَّفه حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، وأيضًا حالة الاستقطاب التي لم تشمل فقط قوي التطرف من اليمين القومي وتيارات اليسار، إنما أيضًا قوى الاعتدال ممثلة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ورغم أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن يمتلك أوراق قوة كثيرة، فإنه يواجه أيضًا تحديات أكثر ستجعل هناك فرصة حقيقية لتحويل الانقسام والاستقطاب الخشن إلى منافسة تقليدية ناعمة بين يمين محافظ ممثل في الحزب الجمهوري وتيار ليبرالي اجتماعي ممثل في الحزب الديمقراطي.

استعادة ثقة المؤسسات
علي خلاف الصورة التي رسّخها ترامب طوال سنوات حكمه بأنه رجل عشوائي يكره العلم والمؤسسات ولا يحترم الدستور والقانون، فإن بايدن بدا في صورة رجل دولة بامتياز سواء بالنسبة لطريقة عمله وإدارته لحملته الانتخابية أو بالنسبة لمضمون خطابه وآليات تعامله مع المؤسسات الأمريكية بداية من الجيش مرورًا بالقضاء وانتهاءً بباقي الأجهزة الفيدرالية.

فترامب، الذي كان أحد مصادر قوته وأحد أسباب انتخابه منذ أكثر من 4 سنوات أنه قادم من خارج المؤسسات السياسية، ومن خارج "Establishment" أو التيار المسيطر في الحياة السياسية الأمريكية، قدم نفسه باعتباره الصوت الجديد والبديل (وأحيانًا المنقذ) للنظام السياسي القائم الذي يكرر نفسه بدوران بين النخبة نفسها.وعادة ما تكون ثقافة الرجل المخلص أو الرئيس القادم من خارج المؤسسات الحزبية والسياسية في مواجهة مع مؤسسات دولته،وهذا ما جرى مع الرئيس المنتهية ولايته الذي حاول منذ اليوم الأول تطويعها لصالح توجهاته المتطرفة، وهو ما فشل فيه، حيث نجحت المؤسسات الديمقراطية القوية والراسخة في أن تعدل من تطرف خطابه السياسي وتدفعه اضطرارًا لاحترام الدستور والقانون وتجبره في النهاية على مغادرة السلطة احترامًا لإرادة الناخبين والعملية الديمقراطية.

والحقيقة أن بايدن، على عكس ترامب، جاء من داخل المؤسسات السياسية والحزبية، فله تاريخ حافل كنائب مرموق في الكونجرس ثم نائب رئيس، أي أنه منذ اللحظة الأولي هو ابن العمل المؤسسي والمنظم، وهو ما سيعني أنه سيكون أقدر على كسب ثقة المؤسسات بما فيها الإعلام وتفعيل دورها لصالح استعادة ثقة المواطن الأمريكي في المؤسسات الدستورية والقانونية بعد أن تأثرت أقلية يعتد بها بمزاعم ترامب عن تزوير الانتخابات وغيرها.

وهنا، فإن قدرة بايدن على نيل ثقة المؤسسات واحترامها سيجعلها قادرة على أن تكون عنصرًا مهمًا في إعادة اللحمة الوطنية وتخفيف حدة الاستقطاب في البلاد، وذلك على خلاف حالة المجتمعات التي تدخل فيها المؤسسات طرفًا في الصراع السياسي مثلما حاول ترامب في ذلك وفشل. وقد اتضحت أيضًا من خطة بايدن لمواجهة جائحة كورونا خبراته الإدارية وتقديره للعلم وهي ورقة تمنحه قوة في لم شمل الأمريكيين من ضحايا الفيروس الذي لم يميز بين الجمهوريين والديمقراطيين.

دعم الاعتدال
ربما تتمثل واحدة من أبرز ملامح الخبرة السياسية الأمريكية في قدرتها على إعادة تأهيل أو دمج المهاجرين القادمين إليها من كل بقاع الأرض بحيث لا يسأل الشخص كثيرًا عن أصوله طالما التزم بما يسمى"القيم الأمريكية" على خلاف أوروبا والعالم العربي، حيث مازالت الأصول العرقية والدينية تمثل عاملًا مهمًا في اختيارات الناس.

والحقيقة أن أمام بايدن تحدٍ كبير يتمثل في أن قدرة النموذج الأمريكي على الدمج والصهر وإعادة التأهيل لم تعد فقط توجه إلى جماعات متطرفة أو فئات مهمشة، إنما صار هناك تيار داخل الحزب الجمهوري وبين قواعده ذهب نحو التطرف وتبني مقولات ترامب وشعاراته المتطرفة، وهي إشكالية كبيرة تكمن في أن قسمًا من الحزب المحافظ المعتدل،الذي هو جزء أصيل من المشهد السياسي الأمريكي،تحول نحو خطاب اليمين المتطرف بالكامل.

والمؤكد أن توجه بايدن "الإدماجي"يتمسك بالتحالف بين الأعراق المختلفة وخاصة الأمريكيين من أصول أفريقية الذين نال ثقة غالبيتهم الساحقة،ويركز دائمًا على احترام التنوع الثقافي، ويرى أن فرص الجميع في الصعود داخل المنظومة السياسية التي يقودها الحزب الديمقراطي مضمونة على عكس إدارة ترامب وفريقه الرئاسي الذي لم يضم إلا أمريكيين بيض.
ويتماهى ذلك مع محاولات الحزب الديمقراطي تجسيد الفكرة الليبرالية الأمريكية (في بلد صنعه مهاجرون) التي هي مصدر قوة النموذج الأمريكي، وتقوم على أنه يمكن دمج أي إنسان في المنظومة السياسية الأمريكية بصرف النظر عن عرقه ودينه طالما التزم بالدستور والقانون، وهنا يتضح أن الأمريكيين من أصل أفريقي ولاتيني وعربي جزء ظاهر من إدارة بايدن، يعكس التنوع الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية.

إرث ترامب
لكن هذه المقاربة ستواجه مقاومة كبيرة من التيار المحافظ الذي انتقل قطاع منه من الاعتدال إلى التشدد وأصبح محملًا بثقافة استعلاء وإقصاء عمّقها ترامب تجاه كل من هو خارج العرق الأبيض. ومع ذلك لازال أمام بايدن فرصة كبيرة لدمج المعتدلين من الحزب الجمهوري والتركيز على مواجهة المتطرفين، لأن الخطاب المحافظ التقليدي في الولايات المتحدة الأمريكية سيظل حاضرًا لدى قطاعات واسعة من الشعب وخاصة من يرفضون استقبال مزيد من المهاجرين، ويرفضون العولمة وكثير من السياسات الليبرالية التي همّشت الكثيرين، وجعلت هناك شعبية لخطاب الحزب الجمهوري المتضامن مع هؤلاء وخاصة داخل المدن الصغرى والريف.

ولا يمكن إغفال أن الحزب الجمهوري لا زال يحصل على أغلبية أصوات الرجال البيض فوق 45 عامًا وبنسبة تزيد بحوالي 20% عن الحزب الديمقراطي، في حين يتقدم الأخير عن الأول لدى كل الأقليات العرقية والنساء والشباب، وهو ما يجعل الانقسام السياسي بين الحزبين مستمرًا لعقود قادمة.

ومن هنا، فإن دعم الاعتدال والعودة إلى الثنائية التاريخية التقليدية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة في الجمهوريين والديمقراطيين، ليست خيارًا سهلًا، ولكنه غير مستحيل وسيبقى التحدي الأبرز الذي يواجه إدارة بايدن الجديدة في المرحلة القادمة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة