القاعدة تقول: الصحافة ليست محايدة لكنها يجب أن تكون موضوعية. بمعنى أن الصحفيين لديهم مواقف وتوجهات يعبرون عنها، وهذا حقهم، إلا أنه لابد من تقديم كل المعلومات الخاصة بالقضية التى يتناولونها، سواء كانوا مؤيدين لها أو معارضين، وعرض وجهات النظر المختلفة معهم. والشاهد أن الصحافة استأثرت بنصيبها فقط، فلم تتحل بالحياد لكنها أيضا تراجعت فى الموضوعية. قسمة غير عادلة.
من آن لآخر، يظهر شخص مثير للجدل والاستفزاز، محليا أودوليا. البعض يتقى شره فلا يكتب عنه بالحق أو الباطل، آخرون يأخذون موقفا حديا منه.. معه أو ضده. نادرا ما تجد نقدا له بالإعلام المؤيد له أو نقاشا موضوعيا لمواقفه بالإعلام الرافض. النموذج الأوضح ترامب. لم يكن هناك انقسام واستقطاب بأمريكا والعالم حول رئيس أو سياسى، كما بالنسبة له.
حطم القواعد السياسية والأخلاقية منذ ظهوره على الساحة عام 2016، اعتبر الصحافة عدوا لا يقل عن خصومه السياسيين. هاجم الصحفيين وشبكات التليفزيون بالاسم وأهانهم وحرض عليهم. بادله الصحفيون الصاع صاعين خلال رئاسته، لكن كانت هناك بقية احترام باعتباره الرئيس. لم يعد الاحترام موجودا بعد اقتحام الغوغاء الكونجرس 6 يناير الحالى. تحول الصحفيون، خاصة المحسوبين على التيار الليبرالى، لملاكمين يستخدمون كل وسيلة للإيقاع به. صُعقت قبل يومين، عندما شاهدت برنامجا إخباريا على «سى إن إن». المذيع الشهير جاك تابر لم يترك لفظا بقاموس الانتقادات والشتائم إلا وجهه لترامب وللغوغاء. أصدر حكما بأنه مذنب. جزم بأن الغوغاء إرهابيون. تغطية القناة لنشاط ترامب يكاد يختفى. حملات التهييج والتخويف مما سيحدث يوم تنصيب بايدن بعد غد، متواصلة. صوت العقل تلاشى.
بالتأكيد، ترامب أخطأ، لكن ثقافة الإلغاء التى تمارسها الصحافة تضر بها كثيرا.. الثقة بها تنهار. ترامب سيذهب لكن الجراح التى أصابتها من هذا الانحياز الفاضح لن تندمل سريعا.
لم يعد ينقص الصحفيون الذين نصبوا أنفسهم قضاة وجلادين، إلا أن يتحولوا لسياسيين، كى تكون لديهم استقامة أخلاقية. السياسى ليس مطلوبا منه الحياد أو الموضوعية. كل هدفه الترويج لنفسه وسياساته. هل وصلت الصحافة لهذا المنحدر؟!