صدق أو لا تصدق؟، الغرب تقدم وهيمن على العالم ليس بسبب جينات أبنائه أو المناخ أو لون البشرة، كما ادعى فلاسفة عنصريون، وليس نتيجة للدين وتحديدا المذهب البروتستانتى، كما أشار الفيلسوف الألمانى ماكس فيبر، بل نتيجة عدم زواج الأقارب.
عالم الأنثروبولجيا جوزيف هنريتش توصل لهذه النظرية الجديدة والطريفة، فى كتابه الصادر مؤخرا بعنوان: أعجب بشر فى العالم: كيف أصبح الغرب غريبا ومزدهرا من الناحية النفسية؟. قد تتفق أو تختلف مع هذه الخلاصة لكن الأستاذ البارز بجامعة هارفارد شرح فكرته بالتفصيل عبر 680 صفحة. ابتداء من عام 600 ميلادية، شنت الكنيسة الرومانية حملة تواصلت لمئات السنين حظرت بموجبها الزواج ليس فقط من الأقارب المباشرين بل البعيدين أيضا. غيرت الحملة من التنظيم الداخلى للمجتمعات الأوروبية وأنماط تفكيرها وتكوينها القبلى. جعل حظر زواج الأقارب الأوروبيين مستقلين ليسوا مرتبطين بأقارب أو طبقة أو قبيلة وأكثر ثقة وتحكما بمصائرهم. وبينما تكاد الظاهرة تختفى بأوروبا وأمريكا الشمالية، فإن ربع الزيجات بالشرق الأوسط وإفريقيا بين الأقارب.
هذا التطور الثقافى والاجتماعى، وليس الانتقاء الطبيعى كما يعتقد داروين، يعتبره المؤلف سبب ازدهار مجتمعات وتخلف أخرى، فالجماعات البشرية تتنافس مع بعضها وتتعلم، والذين يتمتعون بذكاء اجتماعى، بمعنى قدرتهم على تطوير الأعراف والعادات والتقاليد، يحققون التقدم والنهضة. وبعد أن كانت الأسرة الممتدة عماد المجتمعات الغربية، أصبحت الأسرة النووية المكونة من أبوين وأطفالهما بحلول عام 1500، هى الأساس. ثم بدأ الناس يشكلون تجمعات طبقا للمصالح والمعتقدات المشتركة وليس القرابة والانتماءات القبلية. هكذا وُلد العالم الحديث، كما يقول الكاتب البريطانى جيمس كرابترى.
قد تبدو النظرية بسيطة لكن تغيير الأنماط والعادات، كزواج الأقارب، شديد الصعوبة. وعندما درس عالم السياسة فوكوياما كيف حلت نظم الحكم الحديثة محل الحكم الوراثى القائم على الأقارب، اكتشف أن الأمر كان أصعب كثيرا من الانتقال من الديكتاتورية للديمقراطية.
ننظر دائما لزواج الأقارب من زاوية صحية إذ يتسبب بأمراض وراثية وتشوهات خلقية للجنين وضعف معدلات الذكاء، لنكتشف أنه يقيم الحضارات ويصنع الفارق بين التقدم والتخلف.