ما كشفت عنه ظاهرة المنصات الإلكترونية منذ ظهورها، يؤكد أن زمن مسلسلات الـ 60 حلقة انتهى، وأن تقديم مسلسل من 6 أو 8 أو حتى 15 حلقة، أصبح ضرورة في ظل ما يحدث من مخاطر يواجهها صناع الدراما، ففي الوضع الحالي ومواجهة جائحة كورونا، الأفضل أن تختزل الحلقات إلى أقل عدد، وبدلا من أن تقدم القناة مسلسلًا واحدًا في شهر رمضان تقدم أكثر من عمل، وفي النهاية هو في صالح المشاهد، وصالح صناع الدراما.
وما تقوم به المتحدة للإعلام حاليًا من تفعيل لهذه الطريقة وتقديم أكثر من عمل خلال رمضان المقبل، لا يتجاوز عدد حلقات المسلسل الـ15 حلقة، سيكون له ردود أفعال إيجابية، ومن هذه الأعمال مسلسل "كوفيد 25" للنجم يوسف الشريف، وتأليف إنجي علاء، ومسلسل "بين السما والأرض" عن رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ، وبطولة هاني سلامة، وغادة عادل، ويقدم علي ربيع مسلسل من 15 حلقة.
كانت المنصات الإلكترونية ومنها "نتفليكس" قد عرضت خلال العامين الماضيين مسلسلات من هذا النوع، وحققت نجاحًا كبيرًا، إذ يمكن للمشاهد، أن يتابع مسلسل في يوم، وأن يتعامل معه وكأنه فيلم طويل، ومعظم من تابعوا ويتابعون هذه المسلسلات القصيرة من الشباب، ومن يتابعون المنصات شباب، وإن أرادت القنوات الفضائية أن تجذب أكبر عدد منهم عليها تطبيق منهج اختزال الفكرة في عدد محدود من الحلقات، وأن يكون هناك من يقيمها، هل تصلح لأن تقدم في 5 أم 10 حلقات، أم إنها تستحق الـ 30 حلقة، وليس كل ما يقدم تتوافر فيه عناصر العمل الدرامي الناجح، وليس هناك ما يستحق المط والتطويل، فمازالت الأفكار تدور في فلك عدد محدود كما سبق وحددها الباحث والكاتب الفرنسي "جورج بولتي 1867 – 1946"، الذي أكد بأن أية قصة في العالم لا يمكن أن تخرج عن 36 حبكة محددة، كل حبكة لها اسم ووصف ومحاور أساسية تتكون منها.
وقام بولتي، بتحليل النصوص اليونانية الكلاسيكية، بالإضافة إلى الأعمال الفرنسية الكلاسيكية والمعاصرة، وكذلك حلل أيضًا العديد من الكتاب غير الفرنسية.
وصدرت تحليلات "بولتي" في كتاب يحمل اسم 36 حبكة درامية، يحتوي على تفسيرات كثيرة باللغة الفرنسية في القرن التاسع عشر، ونشرت ترجمة إنجليزية له في العام 1916.
أي إننا إذا أردنا أن نقدم عملًا دراميًا جيدًا علينا أن نحدد فكرة في مختصر قابل للتطبيق، وبخطوط واضحة، ودون الحاجة للمط، وإدخال خطوط هامشية، ومشاهد دخيلة على العمل، وكلما كان المسلسل به شخصيات محدودة وموضوع جذاب، حقق نجاحًا كبيرًا، فجمهور "ليالي الحلمية" أو "رأفت الهجان" أو أي عمل من أجزاء، ليس هو جمهور اليوم، هذه الأعمال لها جمهور كبير، ولكن ليس من الشباب، لأننا أمام جمهور مختلف، تبهره الأغنية الواحدة، والفيلم، والحلقات المعدودة، لم يعد يهتم بألبوم كامل، ولا مسلسل من 30 حلقة جمهور "مش فاضي" قد تكون لعبة "بابجي" له أفضل من عمل فني، أو مباراة شطرنج على الإنترنت أفضل، ومن ثم البحث عن طرق لتقديم دراما بمقاييس معينة يكون الهدف فيها جذب الجمهور الجديد من الشباب، أصبح ضروريًا جدًا، لسنا في زمن تجارة الدراما بقدر ما نحن في حاجة إلى تغيير الأفكار، البحث عن طرق للحفاظ على جمهور القنوات التليفزيونية، قبل أن يودعها إلى السوشيال ميديا، والمنصات فقط.