لا يزال العالم لا يصدق تلك المشاهد الصادمة فى واشنطن بينما كان أنصار الرئيس دونالد ترامب يتسلقون جدران الكونجرس قبل أن يقتحموه نصرة لرئيسهم المسئول عن أكبر شرخ فى جدار الوحدة التى كثيرا ما تغنى بها الأمريكيون منذ الاستقلال. لن نعيد سرد وقائع ذلك اليوم المروع فى تاريخ أمريكا، ولكن سنرصد مردوده فى لقطات ومفارقات جديرة بالتسجيل.
ــ عاش الأمريكيون أربعاء (أسود) يوم الاعتداء على الديمقراطية والقانون والدستور، لكنهم سيشهدون أربعاء (أبيض) الأسبوع القادم يوم تنصيب الرئيس المنتخب.
ــ أمريكا قدمت أفضل هدية لأعداء الديمقراطية فى أنحاء العالم وعلى رأسهم بلدان العالم الثالث.
ــ أحداث الكونجرس رغم جللها إلا أنها بنظرة واقعية لاتؤشر لفشل الديمقراطية بقدر ما تؤشر لنجاحها، لأن وجود مؤسسات قوية فى الولايات المتحدة، مثل الكونجرس والقضاء المستقل والإعلام الحر، جسدت خط دفاع أول عن الديمقراطية من تغول سلطة ترامب ومحاولته القفز فوق القانون والدستور.
ـ وعلى طريقة أفلام (هتشكوك) اصطدم ترامب بـ (الرجل الكبير) وهى كناية عن النظام أو المؤسسات التى جاءت به إلى السلطة رغم أنه لم يكن سياسيا، وها هى تجرده منها بالقانون، وتوجه تحذيرا مسبقا لمن سيأتى بعده بأنها ستحمى الدولة من قادة صنعتهم لكن ستطردهم من نعيمها إن خرجوا عن النص.
ـ ضرب نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس أعظم الأمثلة على أن الولاء للعلم والوطن والديمقراطية لا يدانيه أى ولاء سواء لحزب أو لأى منصب، فقد خاض الرجل الذى كان يوصف بأنه ظل ترامب، أصعب موقف فى تاريخه السياسي، حين وضعته الظروف بين اختيارين، الرئيس والحزب أو الوطن والديمقراطية، فاختار الوطن ونال تقدير الجميع وبات زعيما مرشحا لتمثيل الجمهوريين فى انتخابات 2024. ولا يختلف عنه بعض كبار الجمهوريين فى البيت الأبيض الذين اختاروا القفز من مركب الرئيس، ومعهم بعض وزراء الدفاع السابقين من الحزب الذين حذروا من تورط الجيش فى عرقلة تسليم السلطة لبايدن.
ــ وأخيرا.. من يصدق أنه بينما كان العرب يتصالحون فى قمة (العلا) بالسعودية كان الأمريكيون يتقاذفون فيما بينهم الثوابت التى شبوا عليها من احترام نواتج العملية الانتخابية وإجلال مؤسسات الدولة؟