Close ad
4-1-2021 | 13:52

ما قيمة سنوات العمر، طال أم قصر، إذا انقضت فيما لا طائل منه وبدون تأثير وترك بصمة حقيقية، ولو صغيرة، أو مسيرة مهنية وإنسانية يشار إليها بالبنان، ويهتدي بها اللاحقون على مر الزمان، رغم أنف الحاقدين والكائدين ومثبطي الهمم، الذين تعج بهم الحياة، ويدمنون إهالة التراب فوق رؤوس المبدعين والأكفاء في مواقعهم، ويفعلون الأفاعيل لعرقلتهم وإشعارهم بالإحباط، وأنه لا جدوى من أعمالهم وأفكارهم وإبداعاتهم الخلاقة التي تبقى في الأرض وتنفع البشرية.
 
ويظن ضعاف النفوس وصغار العقول وعديمو الكفاءة أن الموت كفيل بإزاحة خصومهم وإراحتهم من المنغصات التي يسببها لهم توهجهم وتألقهم، ويُشعرهم هذا التوهج والتألق بأنهم أقزام إلى جوار قامات المبدعين الكبار، من أمثال الكاتب الكبير وحيد حامد، الذي فارق دنيانا الفانية فجر أمس الأول السبت.
 
الراحل وحيد حامد كان غصنًا يانعًا في شجرة الإبداع المصري والعربي، وشديد الإخلاص حتى الرمق الأخير لرؤية كانت منحازة دائمًا أبدًا وبلا منازع لطرفين، هما هموم وشواغل المواطن والوطن، ولم يضبط يومًا مساومًا على قناعاته ومواقفه، حتى في أحلك الظروف والأوقات والمراحل، وتحمل في سبيل ذلك كثيرًا من العنت والمضايقات التي لم توهن عزيمته ولا إصراره على التمسك بها، مهما كان الثمن الذي سيتعين عليه دفعه حاضرًا ومستقبلًا.
 
انحيازات وحيد حامد الثابتة أكسبته ثقة ومصداقية لدى الرأي العام، ولدى الوسط الثقافي الذي التف حوله، ولم يستعن في معاركه سوى بقلمه الذي احترمه وقدر كل كلمة خطها به، ودعم العارفين والفاهمين لفكره، واستشرافه المبكر لخبايا ومخططات المخادعين وتجار الدين وما يُشكلونه من خطر محدق وداهم على الوطن ومستقبله، وفي طليعتهم جماعة الإخوان الإرهابية، التي لم تستح كعادتها الذميمة وأبدت شماتتها الوقحة الفجة في شخص انتقل لجوار خالقه، بعد إعلان وفاة وحيد حامد.
 
بيت القصيد والمبتغي ليس استعراض السيرة الفنية والفكرية الغنية والزاخرة لوحيد حامد، وإنما تذكر ما تحلى به من سجايا وخصال تضمن لمن يقتدي بها ويضعها نصب عينيه خلود الذكرى، ممثلة في بصمة تبقى بقاء الدهر ولا يستطيع أحد محوها وطمسها، ولو بعد حين، وتتناقلها الأجيال المتعاقبة.
 
هذه الخصال، هي الجدية في أداء العمل، بغية إتقانه وإخراجه بأفضل مستوى وشكل مستطاع، والإيمان الحقيقي بجدوى ما تعمله واستحقاقه التفاني فيه، وبذل الغالي والنفيس لأجله، وتعبيره عن نبض الشارع وما يشغله في حاضره ومقبل الأيام، ودق ناقوس الخطر لما يحيق بالمجتمع من أخطار سواء من الداخل أو الخارج، والتمتع بالصلابة والثبات في مواجهة العواصف والأنواء التي سيتعرض لها المبدع عند طرح أفكاره وتصوراته وردود أفعاله على ما يثار بالمجتمع من قضايا وأزمات ومنعطفات، وأن البوصلة الهادية له في كل الوقت شيء واحد لا يحيد عنه، هو مصلحة الوطن.
 
المبدعون الحقيقيون لا يجيدون الرقص على الحبال، والتملق والمداهنة لبلوغ أعلى المراتب والمناصب، أو أن يكونوا من أصحاب الحظوة والجاه، وإنما يتصفون بالتواضع الجم، والبعد عن التعالي والكبر المقيت والمذموم، ولا يُحجمون عن مد يد العون والمساعدة للآخرين، ويدفعون بهم للأمام، لأن لديهم ثقة كافية ـ ثقة وليس غرورًا ـ في قدراتهم ومواهبهم، وأن الصاعدين منِ حولهم لا يُمثلون تهديدًا لهم ولبقائهم على الساحة وتصدرها لمدة طويلة.
 
وهؤلاء المبدعون بالمجالات المختلفة يقبلون ويرحبون بالمنافسة الشريفة عن طيب خاطر، ولا يهربون منها فعندهم ما يكفيهم ويزيد من الأدوات لخوض المنافسة، وفي النهاية فإن الحكم النزيه، هم الناس المخول لهم وحدهم القول الفصل فيما يطرح عليهم، كما أنهم يتسامون عن الصغائر والمكائد الوضيعة، ولا يكترثون بمَنْ يتعمدون جرهم لمناكفات جانبية ومعارك هامشية كل غرضها تشتيت انتباههم وصرفهم عن تركيزهم فيما هو أهم وأنفع.
 
قبولهم بالمنافسة الشريفة يمنحهم مساحات أوسع وأرحب لاحتضان الأجيال الجديدة الصاعدة والاستعداد لإرشادهم للطريق الصحيح، وتكوين كوادر تكمل المسيرة حاملة مشاعل التنوير والتثقيف، فتلك الكوادر تجدد دومًا أغصان وثمار شجرة الإبداع ولا تدعها عرضة للجفاف والذبول، مع تساقط المزيد من أوراقها، وهذه فضيلة وميزة يجب أن تكون حاضرة وبارزة في أذهان كل جالس على مقعد القيادة في كل مجال وموقع، ويعد لها العدة باستمرار، وهو توجه تحرص عليه وتبرزه الدولة المصرية الساعية لإعداد صف ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ .. ألخ من القيادات الشابة القادرة والمؤهلة لتحمل المسئولية وما يتبعها من تحديات ومخاطر، وأداء مهامها على أكمل وجه.
 
رحم الله المبدع وحيد حامد الذي أعطى الكلمة حقها وقدسيتها وجلالها، وحافظ عليها خلال مسيرته وعبر أعماله المتنوعة، إنه اسم سيضاف لسجل المجد والخلود بفضل بصمته المتميزة والمتفردة، بينما لن يبقى ذكر لمحاربي الإبداع والمبدعين إلا في موضع الذم والتوبيخ.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: