ينقل الراحل الكبير محمد حسنين هيكل، فى مقالة بمجلة وجهات نظر عام 1999، عن ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق والممثل الأوروبى للسلام فى يوغوسلافيا السابقة، قوله: كان المطلوب التفاوض مع التاريخ، وهذا معناه التفاوض مع الأموات، مع المعارك، مع القبور. فى معظم الأزمات يلعب التاريخ دورا كبيرا فى دعاوى النزاع لكن الذى وجدناه أن التاريخ واجهة الأزمة التى انفرط بمقتضاها عقد يوغوسلافيا إلى 6 جمهوريات.
هل التاريخ يكرر نفسه، ولكن هذه المرة فى إثيوبيا؟.يبدو الأمر كذلك. الأطراف تتصارع ليس فقط على التاريخ والحاضر بل المستقبل. 80 مجموعة عرقية تعرضت للقمع والتهميش فى فترات مختلفة، تبدو مصممة على استعادة حقوقها، ومعظمها مسلح ومؤدلج سياسيا. مناخ الانفتاح والحرية الذى بدأه رئيس الوزراء آبى أحمد عقب وصوله إلى السلطة 2018، طالته أعاصير القمع وحتى الحرب. خطواته الأولي، كالإفراج عن السجناء وتخفيف القيود تبخر مفعولها وحل محلها ضيق ونفاد صبر ولجوء للقوة.
حرب تيجراى المندلعة منذ 4 نوفمبر الماضى مجرد مثال، وإن كان خطيرا على تردى الأوضاع. نشأ الصراع بسبب قرار حكومة الإقليم إجراء انتخابات، وهو ما رفضته أديس أبابا. المعالجة السلمية كانت ممكنة لكن الخلافات وميراث الكراهية التاريخي، جعلت القتال الذى يهدد بحرب أهلية ليس بإثيوبيا فقط بل بالقرن الإفريقي، الخيار الواقعي. أقاليم إثيوبية أخرى لديها ميراث الغضب نفسه الذى ينتظر عود كبريت كى يشتعل صراعا.
آبى أحمد استخدم سد النهضة باعتباره المشروع الوطنى الجامع لكل الإثيوبيين، لكن الفائز بنوبل للسلام 2019، فشل لتعامله بعقلية القوى المنتمى للأغلبية، فلم يحترم التنوع والتعدد لدرجة أن أصواتا بالنخبة الحاكمة تريد إلغاء النظام الفيدرالى لمصلحة نظام حكومة موحدة. كثيرون حذروا من بلقنة إثيوبيا أو انزلاقها إلى يمن جديد، وآخرهم مجلة فورين بوليسي، ويبدو أن التحذير جدى للغاية.
فى المقالة نفسها، يسأل أوين هيكل: ما هى درجة الاهتمام العربى بما يجرى فوق رءوسكم مباشرة فى البلقان؟ والآن، هل يكون السؤال: ما هى درجة الاهتمام العربى بما يجرى تحت أقدامكم مباشرة فى إثيوبيا؟