Close ad

الخليفة أردوغان وحكاية هولاكو

27-12-2020 | 13:56
الأهرام اليومي نقلاً عن

لست من هواة التعليق الساخر على رئيس أو ملك أو أمير، فهم لا يمثلون أنفسهم، بقدر ما يمثلون شعوبهم،  التي يجب أن تُحترم إراداتها حتى لو أساءت هذه الشعوب الاختيار، وكثيرا ما حدث ولا يزال، لكن توقفت أمام فيديو شائع على اليوتيوب للرئيس التركي أردوغان، وهو يتحدث إلى جمع من شعبه قبل عام ونصف العام، ولم أره إلا منذ أيام، فلم أصدق ما سمعت وهو يقص عليهم حكاية عن هولاكو حفيد  جنكيز خان بعد تدميره بغداد عاصمة الخلافة العباسية، لماذا يروى الرئيس لشعبه حكاية مشكوكا في صحتها ومليئة بالثغرات ولا توجد لها أي أسانيد تاريخية كما لو أنها حقائق؟.

قال الرئيس أردوغان إن هولاكو بعد أن دخل بغداد، ودمر  قصورها الأنيقة ومكتبتها المتفردة ومساجدها القديمة وأسال دماء المسلمين أنهارا، أرسل خبرا بأنه يريد لقاء أكبر عالم في بغداد، لم يقبل أحد من العلماء الذهاب إليه، إلا شاب صغير السن اسمه كادهان، لم تنبت لحيته بعد، وكان معلما في مدرسة للشباب.

توقف أردوغان وتنهد ثم قال ضاغطا على حروف كلماته: أريد منكم الإنصات بدقة والسماع بحساسية.ذهب كادهان إلى  مقر هولاكو بصحبة جمل وماعز وديك، وحين دخل عليه، سأله هولاكو: ألم يجدوا غيرك لمقابلتي والمثول أمامي؟

أجابه كادهان: إذا كنت تريد شخصا كبيرا يوجد في الخارج جمل، أما إذا كنت تريد رجلا ملتحيا يوجد في الخارج ماعز، وإذا أردت شخصا صوته مرتفع يوجد في الخارج ديك، بإمكانك أن تدعو من تريد.
فهم هولاكو أن من يقف أمامه ليس رجلا عاديا، فقال له: أخبرني.. يا ترى ما سبب مجيئي إلى هنا؟

رد العالم الشاب بإجابة عميقة المعنى: أعمالنا وذنوبنا هي من أحضرتك إلى هنا، لم نقدر نعم الله علينا، أسرفنا في المعاصي،  وأخذتنا الدنيا، تعلقت قلوبنا بالدنيا والأموال والأراضي، والله أرسلك إلينا نقمة ليسلب منا ما أعطانا من نعم.

سأله هولاكو: من القادر على أن يبعدنا من هنا؟ أجابه كادهان: إذا عرفنا قيمة النعم، وشكرناها إلى الله، وابتعدنا عن الخلافات فيما بيننا، وقتها لن تستطيع البقاء والوقوف هنا... دوت القاعة بالتصفيق الحاد.. فقال أردوغان: إخوتي هل تفهمون ما أعنيه لكم.

حكاية جامعة كاشفة، كان يمكن أن يرويها داعية من إياهم وينسبها لكتاب من التراث الذي يحوى بعضه ما يناهض العقل الصحيح، أو مجذوب يدور في الأسواق الشعبية يستعطف الناس أن يحسنوا إليه، لكن أن يرويها رئيس دولة في جمع عام، فهذا شىء لا يصدقه عقل، على رأي الفنانة شويكار في مسرحيتها الرائعة سيدتي الجميلة.

المعضلة أن الحكاية ذاعت على صفحات  التواصل الاجتماعي، لتتحول من مجرد دردشة إلى تاريخ، ومنها موقع لداعية معروف بروايات تنسب للدين أشياء من هذا النوع الخيالي، بل إن واحدا من اليوتيوبر رواها وهو ممسك بكتاب ضخم في يده عنوانه قصة الإسلام..قصة التتار من البداية إلى عين جالوت، للدكتور راغب السرجاني، كما لو أنه ينقل عن الكتاب، والكتاب يقع في 424 صفحة، ولا وجود لهذه الحكاية فيه على الإطلاق. ويقول الدكتور السرجاني بالحرف: قتل هولاكو كل علماء بغداد وخطباء المساجد وحملة القرآن في المدينة، قبل أن ينسحب بالجزء الأكبر من جيشه  بعد أربعين يوما متوجها إلى همدان بفارس.

وعموما الكتاب نفسه لا يعتمد على أي منهج علمي في تحقيق موضوعه، ويقدم هذا التاريخ المضطرب بنظرة دينية من باب الدروس والعبر وليس المعلومات المدققة، ولو كانت حكاية كادهان صحيحة، لتشبث بها وأفرد لها الصفحات.

والسؤال: من أين أتي الرئيس أردوغان باسم كادهان؟

قطعا هو ليس اسما عربيا، ولا يهم هنا أن عاش في بغداد أو لم يعش، ولم أعثر له على أثر في قاموس الأسماء العربية والمعربة وتفسير معانيها، للدكتور حنا نصر الحتّي، الصادر عن دار الكتب العلمية في بيروت، ويبدو أن كادهان أقرب إلى الأسماء التركية، كأن الرئيس أردوغان يقول إن العرب ليس فيهم من يصد أو يرد، فتطوع عنهم كادهان، متجاهلا أن الحكاية برمتها غير واردة في أي كتاب من الكتب المعروفة التي تناولت تلك الفترة، بل إن ابن كثير في سفره التاريخي البداية والنهاية، الذي يتجاوز عدد صفحاته عشرة آلاف صفحة، أورد حكاية عجيبة عن الخليفة المستعصم آخر خلفاء العباسيين، عن لهوه ومجونه، بينما دار الخلافة محاصرة تماما بالتتار، وملخصها أن جارية له كانت ترقص بين يديه وتضاحكه، فجاءها سهم من بعض الشبابيك فلقيت مصرعها، وكان مكتوبا على السهم: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب عن ذوي العقول عقولهم، أي أن التتار حسب حكاية ابن كثير كانوا يتصورون أنهم جاءوا لينفذوا قضاء الله وقدره، وهي حكاية في جوهرها تناقض إلى حد نفي حكاية كادهان، فلماذا يسأله هولاكو في أمر  يعرف الإجابة عنه وأرسله في سهم إلى الخليفة.

يبقى سؤال: إذن من أين جاء أردوغان بحكايته؟ لا تهم الإجابة، ولكن الحكاية تشى بنوع العقلية التي يتمتع بها أردوغان، عقلية تدير ظهرها للعلم والمعرفة والتدبر والأسباب، وتتمسك بالتواكل وإثارة العواطف واختلاق المواقف، وهو أمر متوقع منه في سعيه اللامنطقي إلى خلافة المسلمين الذين يوجه لهم كلماته، ويحثهم على فهم مغزاها ولا يختلفون عليه، والأهم أنها تبين بوضوح شديد دوافعه لفتح أبواب بلاده لجماعة الإخوان والتيارات الدينية الدموية وفضائياتها ويحتضن أفعالهم وسفالاتهم ضد مصر والمصريين. المدهش إن إعلاميا عربيا من الفارين إلى اسطنبول يعترف بالنيابة عن أردوغان: الحملة التي تجري الآن من الأنظمة العربية لتشويه سمعة تركيا تنبع بالأساس من الولايات المتحدة ودول أوروبية، لأنها تخاف من عودة تركيا إلى دورها الكبير الذي كانت تتمتع به في عهد الدولة العثمانية. لكنه يخلط الاعتراف بجملة تفسيرية: تشويه يبدأ من صورة الحكومة ورئيس البلاد أردوغان. لا أظن أن ثمة تشويها أكبر مما يفعله أردوغان بنفسه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
نسل الأغراب .. وهج من الألعاب النارية

لم أصفق لقرار وقف التعامل مع المخرج محمد سامي، وربما لم يعجبني وأحسست ببعض الألم، فهو قرار أقرب إلى التشهير من مجرد موقف غاضب من مخرج ارتكب شيئًا لم يعجب

لماذا نفشل فى مواجهة الفساد؟

رغم سذاجة السؤال إلا أنه سيف حاد راشق فى جنب المجتمع، يُسود معيشته دون إجابة شافية له، قطعا لا يوجد مجتمع على كوكب الأرض قَطَعَ دابر الفساد والفاسدين،

ليست أزمة الدكتور عبدالعال وحده

مسألة محيرة فعلًا، تشغلنا أحيانًا وننساها أحيانًا، نفسرها أحيانًا ونغلب فى تفسيرها أحيانًا، لكن لا تغادر مخيلتنا أبدًا، وهي علاقة المصريين بالسلطة، سواء

مؤامرة في حزب الوفد

تباينت المشاعر واضطربت بين موجة من الضحك وحالة من الرثاء، وكيف لا نضحك ونحن نسمع عن وأد مؤامرة كبرى من الجيل الرابع داخل أروقة بيت الأمة وفصل عشرة من المتآمرين

الأكثر قراءة