قضية الاقتراض من الخارج من القضايا المزعجة بالنسبة للمواطنين الذين يتابعون الشأن العام؛ بل إن الاقتراض في ثقافة المصريين دائمًا من الأشياء سيئة السمعة التي ارتبطت تاريخيًا بالفقر، وكانت في عهود سابقة مؤشرًا غير مرغوب فيه، وتدل على فشل السياسات الاقتصادية إلا أن هذا الملف خضع لمحددات واضحة وقواعد صارمة خلال السنوات الماضية، جعل منه شريانًا لتمويل المشروعات ورافدًا لتنمية وتطوير المرافق والخدمات، وبات الحصول على التمويل الخارجي مقرونًا بشروط واضحة، في مقدمتها تحقيق مستهدفات التنمية، وليس كما تزعم قنوات أهل الشر أن مصر أصبحت غارقة في الديون بسبب حصولها على قروض خارجية لا تستخدم في مشروعات تنموية تنفع المجتمع.
بالأمس وفي تقليد حميد يعكس مبدأ الشفافية في العلاقة بين الدولة والمواطنين، أصدرت وزارة التعاون الدولي تقريرًا بحجم التمويلات التي حصلت عليها مصر في عام 2020، ومن أي الجهات الدولية، وأين ذهبت تلك الأموال، وفي أي المشروعات تم إنفاقها، وأطلقت الوزارة عليه اسم "التقرير السنوي للشراكات الدولية في تحقيق التنمية المستدامة" ويتضح من الاسم أن الجهات الممولة هم شركاء وليسوا مانحين، وما داموا هم كذلك فهم مستفيدون من المشروعات التنموية التى يجري تنفيذها بتلك الأموال.
وتلك هي السياسة الجديدة التي تتبعها مصر في الحصول على التمويلات الخارجية، فلم تعد منحة من أحد؛ بل تمويل لمشروعات في إطار شراكة تنموية، ولعل الأرقام التي وردت بالتقرير تجسد هذا المعنى، وتعكس تلك الأهداف التي تمثل في مجملها توفير حياة كريمة للمواطنين وتمكينهم من الحصول على حقوقهم الاقتصادية، فإذا كان حجم التمويلات الخارجية التي حصلت عليها مصر في عام 2020 قد بلغت نحو 9.8 مليار دولار، فإن إنفاقها تم في 14 قطاعًا ذهبت جميعها إلى خدمات ومشروعات تحقق فائدة مباشرة للمواطنين؛ منها على سبيل المثال 1.4 مليار دولار للإسكان الاجتماعي، وشبكات المياه والصرف الصحي، و1.7 مليار جنيه للنقل والمواصلات و677 مليون دولار للكهرباء، و457 مليون دولار للمشروعات الصغيرة، و729 مليون دولار للصحة والتعليم، بالإضافة إلى 505 ملايين دولار للتضامن الاجتماعي، كما أنه من اللافت أيضًا أن القطاع الخاص حصل على نحو 3.2 مليار دولار، وهو ما يعكس الدور التنموي الذي يقوم به هذا القطاع في مجال التنمية.
يضاف إلى ذلك إلى أن عملية الحصول على تمويلات لا تخضع لهوى وزير أو مسئول؛ بل هي عملية معقدة تمر بعدة مراحل حتى تتم الموافقة على القرض، فإذا كان هناك ضرورة لتنفيذ مشروع ما يتقدم الوزير المختص بدراسة جدوى اقتصادية تؤكد نجاح المشروع في حال تنفيذه، وضمان العائد الاقتصادي منه، وفي حال توافر ذلك يتم البحث عن التمويل المحلي أولًا فإذ لم يتوافر يتم عرض المشروع على مؤسسات التمويل الدولية التي تقوم بإعادة دراسته ومناقشة المسئولين، وربما ينتهي النقاش إلى تعظيم العائد منه، ثم تقوم بعد ذلك الحكومة ببحث العروض المقدمة من هذه المؤسسات؛ لاختيار أفضل تمويل بأقل تكلفة، وغالبًا ما تكون بشروط ميسرة - وفق ما قالت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي - تصل إلى أكثر من 30 عامًا وبفائدة لا تتجاوز 2%.
الحقيقة الدقيقة في مسألة الاقتراض الخارجي أن التمويلات التي تحصل عليها مصر تعني مشروعات تنموية، والأرقام تساوي حياة جديدة للمصريين، وعيش كريم لكل مصري، وحق يعود لكل مواطن، أليس عدلًا توصيل المرافق لقرى محرومة؟ أليست تنمية أن يتم تمويل مشروعات صغيرة لشباب الخريجين، أو أن يتم بناء مجتمع عمراني بدوي في سيناء يمنح كل شاب بيتًا و5 أفدنة لزراعتها؟
.. هكذا يتم إنفاق الأموال التي تحصل عليها مصر من الخارج.
Alymahmoud26@yahoo.com