Close ad

التركية العثمانية وأنهار الدماء ! (17)

21-12-2020 | 14:34
الأهرام اليومي نقلاً عن

فى نشرة أريك رقم 38 سبتمبر 2013ـ وهى نشرة غير دورية تصدرها جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية ، تعبيرًا عن تاريخ وابداعات الأرمن، وعن همومهم وآمالهم، وتعبيرهم عما يلقونه فى مصر من ود وإخاء، وتنويههم بالإبداع المصرى فى الماضى والحاضر، وهى نشرة توالى الجالية الأرمنية إرسالها هدية لى بانتظام ـ أطللت فيها على عدد كثير من إبداعات هذا الشعب المتميز، وعلاقاته الراسخة الجذور فى أنحاء مصر، يندمجون فى شعبها فى محبة وإخاء، ويقدمون إبداعاتهم فى الفنون والموسيقى والغناء، وفى التصوير والفنون التشكيلية، وصار كثيرون منهم نجومًا متلألئة فى سماء مصر المحروسة!

فى ذلك العدد ، قدمت أريك لمقال تصويرى إعداد عطا درغام ـ عن آلام وآمال الأرمن فى ذكرى مئوية الإبادة التركية لهم، والتى يتخذون من يوم الرابع والعشرين من أبريل سنة 1915 ــ ميعادًا سنويًا لها، فتقول إن هذا اليوم سيظل محفورًا فى الذاكرة الأرمنية ، ذلك اليوم الذى بدأ فيه حفنه من العثمانيين تسلقوا خفية على جدار التاريخ، مستغلين انشغال العالم بالحرب العالمية الأولى، وارتكبوا أكبر إبادة بشرية فى مستهل القرن العشرين، حيث راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون أرمنى. يوم الرابع والعشرين من أبريل يُعد ذكرى تهجير شعب من قراه ومدنه ، وذبحه وقتله وإبادته فى الصحارى والجبال والكهوف والوديان ، ذكرى محو تراث ، تميز عبر تاريخه الطويل ، بإنجازاته الرائعة . وبالرغم من التخاذل والصمت الدوليين ، فإن الأرمن يُحيون هذه الذكرى كل عام مطالبين بأن تعترف تركيا بالإبادة فى حق هذا الشعب الذى سُلبت ممتلكاته ومقدساته وأراضيه !

تقول أريك إنه فى عام 2015 يكون قد مَرَّ قرن كامل على مذابح الأرمن التى ارتكبتها القوات التركية فى أثناء الحرب العالمية الأولى، ولا تزال أرض أرمينيا المحتلة والمهجور إرثها الثقافى تسكن ضمير كل أرمنى، ولا تزال أرواح الشهداء تفتقد الراحة الأبدية!

وفى افتتاحية العدد 36 من أريك ، يونيو 2013 ، كتب الدكتور محمد رفعت إمام، أستاذ التاريخ ، ورئيس التحرير ، عن السياق التاريخى للمذابح الحميدية (1894ــ 1896)، نسبة إلى السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى ، كتب أن القضية الأرمنية فى الدولة العثمانية التركية ، ولدت رسميًّا بموجب المادة /61 من معاهدة برلين عام 1878 ، التى نصت على تعهد الباب العالى ، ودون تأخير ، بإدخال الإصلاحات والتحسينات الواجبة فى المناطق التى يقطنها الأرمن ، وضمان أمنهم ، كما يتعين على الباب العالى إحاطة القوى الكبرى التى ستتابع تنفيذ الاصلاحات بما يتم.

بيد أن الإدارة العثمانية لم تنفذ ما تعهدت به من اصلاحات للأرمن ، فى الوقت الذى انشغلت فيه الدول الأوروبية بمصالحها الكبرى، مما أدى إلى ميلاد تنظيمات ثورية أرمنية للتعبير عن آلام الأرمن وآمالهم، ووقعت مظاهرات وانتفاضات وتجاوزات، قابلها الباب العالى بسلسلة مضادة من التنكيلات والمصادرات والاتهامات والمحاكمات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ تولد عن تصاعد الأزمة الأرمنية تدشين النظام العثمانى سياسة المذابح كآلية رسمية لمواجهة انتفاضات الأرمن خلال الفترة من 1894ــ 1896 . ورغم الجدل حول عدد ضحايا الأرمن فى هذه المذابح الذى يتراوح بين 100 و 150ألف نسمة فى تلك الفترة ، فإنه من الثابت نزوح آلاف آخرين إلى البلاد العربية وروسيا والبلقان وأوروبا والولايات المتحدة، مما أدى إلى خلخلة البنية السكانية الأرمنية وبالذات فى أرضروم وڤان وبيتليس، وكذا بقية الخريطة السكانية الأرمنية.

ورغم أن القضية الأرمنية كانت لا تعدو أن تكون مجرد مجموعة إصلاحات إدارية فى الولايات التى يسكنها الأرمن فى شرقى الأناضول، فإن الغرب انتهز الفرصة ليصورها للرأى العام على أنها صراع الإسلام ضد المسيحية، ووصف المذابح التـى نجمـت عنهـا بأنها دينية ، بل وتعمدت أدبيات الغرب تشويه الإسلام من خلال الربط بينه وبين اقتراف المذابح.

وليس أدل على كذب هذا الافتراء والسعى الكاذب لتديين المذابح ، بينما هى صراعات بل بطشات السلطة ، من أن القرن التاسع عشر شهد أيضًا ـ وفى خط موازٍ لمذابح الأرمن ، مذابح كبيرة ضد الشعوب المسلمة!

وجدير بالذكر أن الأزهر الشريف أصدر بيانًا بتوقيع وخاتم الشيخ سليم البشرى ، شيخ الجامع الأزهر ــ أدان فيه المذابح التى وقعت فى أضنة فى أبريل 1909 ، وهى وثيقة دامغة على موقف الإسلام وحمايته أبناء الديانات الأخرى . وفى خضم هذه الظروف التى أحاطت بدولة الخلافة التركية العثمانية، تحول نفور العثمانيين من الأرمن، إلى الكراهية السافرة!

وتشهد مجلة أريك فى عددها سبتمبر 2013 ، بأهمية المصادر العربية للتعرف على مأساة الأرمن ، وتؤكد امتياز المواقف العربية المسلمة إلى جوار الأرمن ، من منطلق أن الإسلام دين محبة وسلام ، ويقدس الروح الإنسانية ، ويصونها ويجرم فى الدنيا والآخرة أى مساس بها .

وتشير أريك إلى إيجابية وفعالية المواقف التى اتخذها العرب المسلمون إزاء الإبادة الكبرى التى لحقت بالأرمن على أيدى حكومة تركيا الفتاة منذ نجاحها فى عزل السلطان عبد الحميد الثانى فى أبريل 1909.

وتضيف أنه فى ذات ذلك الشهر ، اقترف النظام العثمانى الحاكم إبادة مصغرة للأرمن فى إقليم قيليقية لاسيما قاعدتها أضنة ، وهى أشبه بـ «بروفة» لقياس ردود الفعل الدولية لما خططوا له مستقبلا، وقد تفاعل العرب عمومًا والمصريون خصوصًا مع الضحايا الأرمن . وخرجت من مصر أجرأ الردود ضد السلطنة والقائمين عليها، وفى هذا الصدد ، تفخر مؤسسة الأزهر بفتواها الصائبة للشيخ سليم البشرى التى استنكرت بقـوة ذبح الأبرياء باسم الدين ، وبذا ، تحدت فتوى مشيخة الأزهر المصرية هذا التطرف والهمجية!

ولا يزال لهذه المآسى بقية!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام (7)

من غير المعقول ألا يعرض الأستاذ العقاد، المعروف بموسوعية إطلاعه وموسوعية كتابته ومؤلفاته، ألا يعرض لهذه القضية البالغة الأهمية التى ازداد الاهتمام بها

الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام (6)

كتاب الشيخ علي عبدالرازق الإسلام وأصول الحكم لا يزال قبلة معظم الناس، بل صفوة المفكرين والكتاب، رغم مضي نحو قرن من الزمان على صدوره سنة 1925، ورغم كتابات

الخلافة ليست من أصول الحكم في الإسلام ! (5)

ليست هذه أول مرة أتصدى فيها للبحث وتكرار البحث والتصدى لفكرة الخلافة، وإثبات أنها لا تنبع من أصل من أصول الإسلام، وسبب معاودتى الحديث فى هذا الموضوع المهم،

الخلافة ليست من أصول الإسلام! (4)

معالم الحكم الواضحة في المبادئ قطعية الدلالة التي استنها القرآن الحكيم، أن الحكومة حكومة مدنية، بمعنى أن القائم على الأمر ليس ممثلاً لله عز وجل، ولا يملك

الأكثر قراءة