Close ad

في مظاهر الـ «مسلمو غفلة»

12-12-2020 | 16:24

تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام والمسلمين، حول العالم خلال الآونة الأخيرة إلى درجة أصبحت تؤثر على السلام العالمي، وباتت أمرا لا يطاق على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة، الذي تعهد بالتزام المنظمة الأممية بمحاربة جميع مسبباتها، وهو ما أشرنا إليه في مقالنا السابق (الأهرام،28 نوفمبر الماضي). وذكرنا أن موقف العالم الإسلامي لا يرقى إلى مستوي المعالجة المتوقعة لظاهرة الإسلاموفوبيا وإنما يعبر عن حالة (مسلموغفلة)، أما مظاهر هذه الحالة وشواهدها فنعرضها في السطور التالية.

أولها شواهد هذه الغفلة أن (أمة اقرأ)، لا تقرأ، بل تعاني الأمية بمختلف أشكالها، وهو ما جعلها تعيش لقرون في حالة تراجع علمي وحضاري، حيث تنتمي معظم دولها إلى العالم النامي. وهذه الحالة لم ينتج عنها فقط وضع عالمنا في نطاق القابلية للاستعمار، على أحد تعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي، وإنما تطورت بعد الحقبة الاستعمارية، في اتجاه سلبي يمكن أن نسميه القابلية للاستحمار ولهذه الحالة الجديدة وجهان، الأول: عدم التعلم من أخطائنا، والثاني فقدان القدرة على الاستفادة من نجاحات غيرنا، ومن أمثلة الوجه الأول، أنه تتكرر في عالمنا الإسلامي نفس المقدمات التي تنتهي إلى ذات النتائج الفاشلة منذ عصر الطوائف إلى «مؤتمر الطائف»، ومن أمثلة الوجه الثاني، أن الغرب في صراعه مع الشرق الذي ننتمي إليه، اعتمد على مناهج علمية للتعرف علينا وأنتج علم الاستشراق ومن ثم نجح في إدراك مكامن القوة والضعف في الشرق وكيفية التأثير فيه سواء بالقوة الغاشمة خلال حقبة الاستعمار، أو بالقوة الناعمة اليوم،بينما أغفلنا نحن دراسة الغرب وليس لدينا ما يمكن تسميته علم (الاستغراب) باستثناء محاولات فردية من أبرزها كتاب الدكتور حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب) وهو مشروع لم يكتب له الاستمرار للأسف.

بل إن قبولنا بمصطلح الاستعمار، الذي يعني أن بلادنا كانت خربة فجاء المحتل ليعمرها، يعد نوعا من الغفلة، لا يعادلها إلا الإصرار على استخدام مصطلح الاستيطان لوصف ما يفعله المحتلون في فلسطين وكأنهم يبنون بيوتا في وطنهم مع أنهم مغتصبون قادمون من مختلف أرجاء العالم!.

ومن مظاهر الـ «مسلمو غفلة» إهمالنا في عصور التراجع للبحث العلمي، فلم ننتج علما بحجم (مقدمة ابن خلدون) وغيرها مما انتجه أسلافنا في مختلف العلوم، بل لم نتعلم مما جاء في هذه المقدمة ومنها أن (المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله) وهو ما نفعله في تقليدنا للغرب في ثقافته وليس في علومه. لذا لم نحافظ على البقاء من أهل (المقدمة) فكان طبيعيا أن نتموضع في المؤخرة.

ومن هذه المظاهر أن كتابنا (القرآن الكريم) الذي أحيا أمة من العدم، أصبح كتابا للموتي يقرأ في الجنائز او فوق المقابر، وفي تعاملنا معه نسير عكس اتجاه العلم، فالعالم كله يقرأ لكي يتعلم، بينما نحن نتعلم أحكام التلاوة لكي نقرأ فقط، بينما أغفلنا التدبر والفهم.نقرأ) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ..) (العنكبوت: 20) وهي دعوة لتعلم أسرار العلم، ولكننا بدلا من ذلك نسير في الأرض لكي نستورد من (كل الخلق) غذاءنا وملبسنا ودواءنا، ولسان حالنا يقول (سبحان الذي سخر لنا الشرق والغرب لينتج لنا ما نستهلكه)!.

ومن مظاهر هذه الغفلة أيضا أن غيرنا حينما تعرض لموقف مشابه لحالة الإسلاموفوبيا، واجه المشكلة بحل عملي، حيث تمكن اليهود (16 مليون يهودي) من إصدار تشريع يجرم المعاداة للسامية في أوروبا، بينما ظل المسلمون (1،9 مليار مسلم) لمدة 12 عاما يرصدون حالات الكراهية للإسلام والمسلمين، حيث خصصت منظمة التعاون الإسلامي (مرصدا للإسلاموفوبيا) منذ عام 2008 يصدر تقارير سنوية توضح تزايد هذه الظاهرة ولكن لم يتم وضع حل مماثل لتشريع معاداة السامية!.

ولم يصدر شيء مشابه إلا دعوة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أخيرًا المجتمع الدولي لإقرار تشريع عالمي يجرم معاداة المسلمين والتفرقة بينهم وبين غيرهم في الحقوق والواجبات والاحترام الكامل المتبادل.نأمل أن تأخذ هذه الدعوة مسارها إلى التنفيذ وتصبح نقطة تحول من القول الذي نجيده، إلى الفعل الذي نفتقده، ليس فقط لتجريم معاداة المسلمين، وإنما نريدها دعوة إلى الإفاقة من حالة الغفلة التي تعيشها مجتمعاتنا والمضي قدما في طريق اليقظة والتقدم وهو ما يتطلب أفعالا على الأرض وأولها أن توجه المجتمعات الإسلامية اهتماما أكبر بالتعليم والبحث العلمي والتنمية المستدامة ودعم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير.

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مسبار الأمل قفزة عربية للمستقبل

قضينا نحن العرب قرونا عديدة منشغلين عن حاضرنا بالاتجاه إلى الماضي، إما تفاخرا بما أنجزه أسلافنا فى عصورهم الذهبية وإما صراعا بين طوائف وفرق مذهبية، لم

الإسلاموفوبيا و«المسلموغفلة»!

الإسلاموفوبيا و«المسلموغفلة»!

لسنا مجرد أرقام بقوائم المبيعات!

لسنا مجرد أرقام بـقوائم المبيعات!

ماكرون .. ويمكرون ضد الإسلام

لقى الحادث الإرهابى الذى وقع فى العاصمة الفرنسية باريس، أخيرا، وأسفر عن قيام متطرف بقتل مدرس، إدانة من مختلف المؤسسات الإسلامية الرسمية وزعماء العالم الإسلامي،

مقاتلون بلا سلاح فى ملحمة أكتوبر!

مقاتلون بلا سلاح فى ملحمة أكتوبر!

عشوائية فوق 3 عجلات!

«طايش لكن عايش».. هذه الشعار الذى قرأته على ظهر توك توك يلخص بعبقرية ما تفعله هذه المكينة التى اجتاحت شوارعنا فى غير غفلة من الزمان والمكان، لتجعلنا نعيش

بابا جوجل والآباء المنافسون!

في سبتمبر الحالي يمر 22 عامًا على تأسيس جوجل، وهو ما يعني أن لدينا جيلًا كاملًا ولد وتعلم وتخرج في المدارس والجامعات في رعاية وأحضان أحد أبرز مظاهر العالم

المصريون بالخارج بين نارين!

تابعت ما تداوله رواد شبكات التواصل الاجتماعي أخيرا، حول الاعتداء على أحد المصريين العاملين بالكويت، وما سبقه من تصريحات مستفزة لإحدى الكويتيات عن العمالة