..يحكى أنّه كان هناك رجل حكيم يأتى إليه الناس من كلّ مكان لاستشارته، لكنهم كانوا فى كلّ مرّة يحدّثونه عن نفس المشكلات والمصاعب التى تواجههم، حتى سئم منهم، وفى يوم من الأيام، جمعهم الحكيم وقصّ عليهم نكتة طريفة، فانفجر الجميع ضاحكين، بعد بضع دقائق، قصّ عليهم النكتة ذاتها مرّة أخرى، فابتسم عدد قليل منهم، ثمّ ما لبث أن قصّ الطرفة مرّة ثالثة، فلم يضحك أحد، عندها ابتسم الحكيم وقال:لا يمكنكم أن تضحكوا على النكتة نفسها أكثر من مرّة، فلماذا تستمرون بالتذمر والبكاء على نفس المشكلات فى كلّ مرة؟!...ربما تكون هذه القصة الأكثر شبها بنا نحن المصريين، فغالبا لا نتعلم من أخطائنا، بل ونكررها، ثم نتخيل أن النتيجة ستتغير، بينما المشكلة تظل تتفاقم، وتتضخم، حتى نعجز عن حلها!. وهذا الوضع واجهته أوروبا قبل اتحادها فقبل الحرب العالمية الأولى ظل الصراع فى الدول الأوروبية على أشده بين رجال السلطة، والنخب الحاكمة، والكنيسة، وكبار رجال الأعمال!. وكان الحل هو تحول جل أوروبا إلى مجتمع متناغم، يحترم القانون، والحريات، مع إتاحة الفرصة كاملة للترقى فى المجتمع سواء سياسيا أو تعليميا أو ماديا، حتى اختفى الاحتقان، والحروب، وتم احتواء غضب الناس فى قنوات مشروعة مثل البرلمان، والاحزاب، ولما قررت هذه الدول الاتحاد اشترطت توفيق أوضاع أعضائها طبقا لهذا المفهوم، وبالرغم من العيوب التى ظهرت فى هذا النظام، بدليل انسحاب دولة مثل بريطانيا منه، وظهور حركات متطرفة وعنصرية، إلا أنه يظل النظام الأقل عيوبا فى نظم الحكم!...ولكى ننجح كمصر فى التعامل مع هذه العوامل المؤثرة على مصالحنا، لابد أن نتعامل معها بمنطق ذكاء الرجل الحكيم فى القصة!.
نقلا عن صحيفة الأهرام