Close ad

الضريبة على الأجور والعدالة الاجتماعية

9-12-2020 | 13:17

أثار المقال السابق والخاص بما جاء فى مشروع اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ من اقتراحات بإعفاء المكافآت التى يحصل عليها أعضاء المجلس، من الضرائب على الدخول، العديد من التساؤلات والاستفسارات التى تحتاج المزيد من الإيضاح. خاصة أنه جاء سيرا على نفس منهاج مجلس النواب ووفقا للائحته الداخلية المعمول بها حاليا. واصبح التساؤل الرئيسى هو مدى عدالة الضريبة على الدخول من الأجور والرواتب؟. ونص الدستور المصرى على ان: العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة, وفقا الفقرة الأولى من المادة 38منه، والتى تشير وبحق الى جوهر النظام الضريبي في المجتمع. وهكذا ينبغى أن تكون العدالة الضريبية مضمونا لمحتوى النظام الضريبي وغاية يتوخاها، ويتعيّن تبعا لذلك أن يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها بمختلف صورها محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها. وهنا يرى خبراء الاقتصاد - وعلى رأسهم آدم سميث ـ أن النظام الضريبي الجيد يجب أن يتسم بعدّة سمات أساسية يأتى على رأسها العدالة، أى تساوى عبء الضريبة على جميع دافعي الضرائب وبحسب طاقة الفرد على الدفع. وهنا يدور الحديث عن نوعين من العدالة، العدالة الرأسية بما يعنى دفع الضرائب بناء على قدرة الفرد، فهى تفترض أن الأشخاص ذوى الظروف المتمايزة في القدرة على الدفع يجب أن يدفعوا مقادير مختلفة من الضرائب، والعدالة الأفقية وتفترض أن الأفراد ذوى المقدار المتساوي من القدرة على الدفع يتحملون أعباء ضريبية متساوية، أي المعاملة المتساوية لذوى الظروف الاقتصادية. وتشير الإحصاءات الي ان هناك زيادة مستمرة في اعتماد النظام الضريبي المصري علي ضريبة الأجور والرواتب، حيث إن معدل الزيادة في الحصيلة من هذا النوع يزيد عن معدل زيادة الحصيلة الضريبية ذاتها وذلك على العكس من الأنواع الضريبية الأخرى خاصة المهن الحرة، وهو الخلل الاساسي في النظام الراهن. ويعانى نظام الضريبة على الرواتب والأجور اختلالات عديدة من منظور العدالة نتيجة لاختلافات النظم الأجرية ومن ثم المعاملة الضريبية، حيث يخضع العاملون بالدولة الي قوانين مختلفة وطبقا لذلك توجد انواع معاملة ضريبية مختلفة لمكتسبي الأجور. يأتى على رأس هذه الاختلالات إعفاء دخول بعض الفئات من دفع الضريبة، مثل أعضاء مجلس النواب وفقا للائحة الداخلية للمجلس الصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016 يضاف الى ذلك الإعفاءات الصادرة بقوانين خاصة، يخضع لها البعض وليس الكل، مثل بدل التمثيل لبعض الوظائف القضائية ورؤساء الجامعات ونوابهم بما فيها جامعة الأزهر. كما يخضع لهذا الإعفاء شاغلو الوظائف العليا من العاملين المدنيين بالدولة وفقا لقانون 47 لسنة 1978 وذلك بحد اقصى 100% من الاجر الاساسى.وهو ما يشير الي عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير فى المعاملة الضريبية بين متحصلي نفس الأجر، وعلى الجانب الآخر فان حصة العامل فى اشتراكات التأمينات الاجتماعية المعفاة من الخضوع للضريبة، تختلف من جهة لأخرى، حيث فوض القانون الوزير المعنى بالتأمينات الاجتماعية فى تحديد هذه النسبة، وفقا للحد الأقصى لأجر الاشتراك الاساسى والمتغير الذى يحسب على أساسه اشتراك التأمينات المعفاة.

كما ميزت الضريبة بين العاملين فى القطاع الحكومي والعام، وبين العاملين بالقطاع الخاص، لأن العلاوات الخاصة والتي تشكل نحو 345% من الراتب الأساسي حتى نهاية يونيو 2013، تعطى للموظف الحكومي معفاة من الضرائب، قبل ان يتم إلغاء هذا الإعفاء في العلاوات التي قررت بعد ذلك التاريخ، وهو ما لا يتمتع به العاملون بالقطاع الخاص. وترتبط بهذه النقطة مسألة اخرى تتعلق بأثر ضم العلاوة الخاصة الى الأجر الأساسى، وتمتع الزيادة فى الأجور المتغيرة بالإعفاء المقرر لتلك العلاوات من ضرائب ورسوم. حيث توجد أحكام قضائية متناقضة فى هذا الشأن، مع الأخذ بالحسبان ان هذه الاحكام نسبية حيث يقتصر تطبيقها على أطراف الدعوى الذين صدر لهم الحكم دون أن تمتد لغيرهم. وقد زادت الامور تعقيدا بصدور قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 حيث يخضع له بعض العاملين بأجهزة الدولة وعددهم 2.5 مليون موظف بنسبة 47% من الإجمالي، والبعض الآخر غير مخاطب بالقانون وعددهم 2.9 مليون (بنسبة 53% من الإجمالي). وهنا تظهر المشكلات حيث غير القانون من نظام الأجور تغييرا جذريا ليصبح الحديث عن الأجر الوظيفي - الذي يساوي الأجر الأساسي للموظف في 30/6/2015 - متضمنا العلاوات الخاصة المضمومة وغير المضمومة، والعلاوة الاجتماعية الموحدة والإضافية ومنحة عيد العمال وعلاوة الحد الأدنى وما يعادل نسبة 100% من الأجر الأساسي في 30/6/2015.

وهنا تبرز مشكلة المعاملة الضريبية لكل منهما إذ أنه وبمقتضي ماسبق فقد تم ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة والبدلات المعفاة بقوانين خاصة.. الخ، إلى الأجر الوظيفي، وبالتالي إلغاء الإعفاء الذي كانت تتمتع به وأصبحت ضمن الوعاء الضريبي، وبعبارة اخري فان هؤلاء بمقتضي هذا القانون يدفعون ضرائب أكثر من زملائهم غير الخاضعين، مع ملاحظة أن العبء الضريبي للرواتب والأجور يختلف كثيرا عن الأسعار المحددة بالشرائح المنصوص عليها،لان القانون أعفي العديد من الإيرادات من الخضوع (وهي المعاشات ومكافأة ترك الخدمة ومقابل الإجازات وحصة العاملين من الأرباح التي تقرر توزيعها طبقا للقانون)، وكذلك المزايا العينية الجماعية. بالإضافة الى الإعفاء الشخصي لمبلغ تسعة آلاف جنيه سنويا، ناهيك عن الشريحة المعفاة وتبلغ خمسة عشر ألف جنيه، فضلا عن اشتراكات العاملين فى صناديق التأمين الخاصة واقساط التأمين على الحياة والتأمين الصحي على الممول لمصلحته او مصلحة زوجته او اولاده القصربشرط ألا تزيد جملتها عن 15% من صافي الإيراد او ثلاثة آلاف جنيه ايهما أكبر.

وبالتالى هذا النوع من الضرائب، وغيره يحتاج الى إعادة نظر بحيث تلغى جميع الإعفاءات المقررة بموجب قوانين اخرى، على ان يكو قانون الضرائب على الدخل هو القانون الاساسى والحاكم لجميع الامور الضريبية المرتبطة بالدخول، اما اذا رغبت الدولة فى زيادة اجور وتحسين اوضاعهم الاجرية فيجب ان يتم عبر سياسة الاجور وليس الضريبة.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
ضريبة الدخل والفصل بين السلطات

ان إعفاء المكافآت الممنوحة لأعضاء البرلمان من ضريبة الدخل يأتى أساسا لرغبة المشرع فى الفصل بين السلطات.. جاء ذلك التصريح على لسان وكيل لجنة الخطة والموازنة

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (3)

أوضحنا خلال المقالين السابقين أهمية الاستثمار فى صناعة الرياضة ودوره فى التنمية المجتمعية عموما والبشرية على وجه الخصوص، واصبح التساؤل الى اى مدى تعاملت

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (2)

أشرنا في المقال السابق الى أهمية وضع الرياضة فى خدمة التنمية البشرية بغية جعلها إحدى الأدوات المساهمة فى رفع كفاءة الأفراد والمساهمة فى تطوير الإنسان وهو

مجلس الشيوخ وموازنة البند الواحد

مجلس الشيوخ وموازنة البند الواحد