أزمة تشكيل الحكومة الجديدة فى لبنان تستمر إلى مطلع العام الجديد، وفق أقل التقديرات، وهو أمر كان متوقعا،فمنذ تكليف سعد الحريرى بتشكيل الحكومة الجديدة فى أكتوبر الماضي، لم يطرأ أى تغيير فى الصورة،ويتكرر نفس السيناريو القديم الجديد، الذى يشتهر به لبنان وهو التعطيل حتى إشعار آخر، تشكيل الحكومة الجديدة، لا ينتظر معجزة من السماء، وهو أمر روتينى يمكن أن ينجز فى دقائق إلا فى الحالة اللبنانية التى تختلط فيها التدخلات الإقليمية مع الرغبات الداخلية ويصبح عندها مجرد توقيع الرئيس اللبنانى على مرسوم تشكيل الحكومة أمنية غالية ينتظرها الشعب.
يتأخر تشكيل الحكومة اللبنانية كما هو متداول بسبب الخلافات على توزيع الحقائب الوزارية بين الكتل السياسية،وتمسك الأطراف بوزارات بعينها،هذا هو السبب الظاهر، الذى تتداوله المنتديات ووسائل الإعلام غير أن جوهر الأزمة هو التعطيل بدوافع خارجية.
جميع المسئولين فى لبنان يعيشون فى الأزمة الاقتصادية ومعاناة المواطن وخطورة إعلان إفلاس دولة لبنان،غير أن قراراتهم تهمل هذه الحقائق وتنساق وراء التعطيل والتصريح بعبارات لا تغطى الحقيقة العارية.
يلتمس البعض العذر لهم، نتيجة الضغط الخارجى وعدم القدرة على تجاوزه او التفريط فى رغباته،فمن هو اللاعب الإقليمى الذى يحرك الخيوط داخل التركيبة اللبنانية،ويحكم حياكتها بطريقة متداخلة لا تفلح معها المهارات الشخصية فى فكها او حتى تقطيعها وإنما كلما حاول البعض الاقتراب منها تتعقد أكثر فأكثر، الجميع يضرب عرض الحائط بالأزمة الاقتصادية التى تهز لبنان، والوضع غير المسبوق فى هذا البلد منذ انتهاء الحرب الأهلية من حيث تردى الوضع الاقتصادى وارتفاع مؤشر البطالة،وتعثر المصارف اللبنانية فى استمرار العلاقة الطبيعية مع العملاء ونقص المواد الغذائية وارتفاع جنونى فى اسعارها وفى سعر صرف الدولار الامريكى. يتحدث الزعماء عن متاعب للمواطن وعن ظروف صعبة، دون أن يبرهن على نياته المخلصة فى مساعدة لبنان .
يتطوع المجتمع الدولى بالسعى نحو مساعدة لبنان فى هذه الظروف الصعبة ونظمت فرنسا مؤتمرا لدعم لبنان قبل أن ينجرف نحو الهاوية.
اللاعبون فى المشهد اللبناني، دول كبيرة ، لكن ما هى مصلحتها فى ذلك، هذا السؤال يربك،ويتسبب فى حيرة كبيرة،لكن لا يحتاج الأمر إلى شواهد كثيرة لتأكيد أن إيران تصفى حسابات شديدة التعقيد مع الغرب والولايات المتحدة الامريكية والدول العربية على ارضية النفوذ الواسع الذى تتمتع به فى لبنان، وتضمن أن هناك من يعمل على تنفيذ أجندتها مهما تكن التناقضات مع المصلحة اللبنانية، ليست ايران هى الدولة الوحيدة ففى الداخل اللبنانى هناك فريق كبير يرى فى الولايات المتحدة الأمريكية شرا مطلقا ينقض دوما على الثوابت اللبنانية،وهناك دور للمملكة العربية السعودية وفرنسا التى تكاد تكون الدولة التى تمثل حلقة الوصل بين العالم ولبنان،لكنها لم تنجح بعد فى المهمة الجديدة على الرغم من الحضور التاريخى الطاغى لها فى لبنان.
الموضوعات المهمة فى لبنان مطوية بما فيها ماسأة تفجير مرفأ بيروت، بينما الجدل السياسى مفتوح على مصراعيه، وشهية التخوين التى لا تتوقف بين الزعماء على أشدها فى هذه الأيام .
لبنان المأزوم غارق فى الديون التى تتجاوز 100مليار دولار، وتراجع كبير فى تحويلات العاملين بالخارج ،ويحتاج بجانب الصبر العمل وتخلى الطبقة السياسية عن سطوتها،قبل أن تتفاقم أكثر فأكثر الازمة.
الحريرى يتمسك بالمهمة، ويعلن أنه لن يعتذر عن عدم تشكيل الحكومة،وان الأمل كبير فى الوصول إلى حلول ،حتى يبدأ فى الاتصالات الخارجية لجذب المزيد من الدعم لإنقاذ البلاد قبل الإفلاس.
يربط البعض بين علاقاته الدولية وتجربة الاب رفيق الحريرى فى إعادة أعمار لبنان ،على الرغم من انه خاض تجربة طويلة من قبل لكن الظروف تتغير والمجتمع الدولى يترقب، والدول العربية تستعد لدعم لبنان المستقر.
نقلا عن صحيفة الأهرام