"الكاريزما" تغفر كل "الخطايا"!!
** حالت ظروف خاصة بيني وبين إمكانية الكتابة في الأسبوع الماضي عن حدثين مهمين: الأول هو وفاة النجم الأسطورة دييجو أرماندو مارادونا، والثاني النهائي الإفريقي الذي انتزعه النادي الأهلي من غريمه التقليدي الزمالك بعد مباراة حسمها مجدي قفشة بصاروخ جو/جو في مرمي أبوجبل قبل نهاية المباراة بخمس دقائق.
ولأنه لا يجوز ولا يعقل ترك حدثين مثل هذين الحدثين الكبيرين دون التعليق عليهما، فإنني بصدد تخصيص مقالي هذا لإلقاء الضوء، بشكل قد يكون مختلفًا، عما سبق كتابته فور وقوع هذين الحدثين.. وأبدأ بوفاة مارادونا، فأقول: مات أفضل لاعب في العقدين الأخيرين من الألفية الثانية..
وفي رأي الكثيرين، أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم كله، وهو التصنيف الذي لا أحبذه ولا أهواه، لأن كل عصر وله أذان، وكل جيل وله نجومه الأفذاذ.. وكل زمن وله كرته التي تميزه عن غيرها.. ولكن هذه ليست قضيتي اليوم، وإنما أنا بصدد توديع وتأبين نجم صنع الكثير لمنتخب بلاده ولنادي نابولي الإيطالي..
نجم اختلف الناس على سلوكه وأخلاقه وشطحاته ونزواته وطيشه، ولكنهم أبدًا لم يختلفوا على موهبته ومهاراته كلاعب من طراز خاص قلما يجود الزمان بمثله..
عاش مارادونا حياته بالطول والعرض كما يقولون، فكانت سنوات عمره الستون، في حقيقة الأمر أكثر من مائة وعشرين عامًا، فعل فيها كل شيء يخطر على البال، وعلى غير البال.. كرة قدم رائعة، نساء، مخدرات، وكثير من الزلات والسقطات التي لا تقال في ظروف وفاته، ومع ذلك لم يتوقف شعب الأرجنتين كله عن حبه وتحويله إلى شبه إله لكرة القدم، رغم كل الموبقات والنزوات التي سقط فيها.
إلا أنه لا أحد من نجوم الكرة الأرجنتينية استطاع أن يسحب البساط من تحت أقدامه كرمز عزيز وغالٍ لكرة التانجو.. ولا حتى خليفته ليونيل ميسى!!
أليس هو الذي قاد المنتخب للفوز ببطولة كأس العالم 1986 بالمكسيك، لدرجة جعلت الكثيرين يطلقون عليها بطولة مارادونا؟! أليس هو أيضًا من قاد المنتخب إلى نهائي مونديال 1990 أمام منتخب ألمانيا، ولم يخسر اللقب إلا بركلات الترجيح؟! إنه صاحب كاريزما خاصة لا تخطئها العين ليس داخل المستطيل الأخضر فقط، وإنما خارجه أيضًا.
ويجدر بي أن أنوه هنا إلى أن كثيرين من مواطني الجنوب الإيطالي يقولون: من لم ير مارادونا وهو يلعب مع نابولي، "فاته نصف عمره"، ويؤكدون أن "مارادونا نابولى" كان أفضل كثيرًا من مارادونا المونديال..
وربما كان هذا الكلام حقيقة، لأن الكثيرين لم يكونوا يتابعون باهتمام مباريات هذا الفريق الإيطالي القابع في جنوبي البلاد، والذي لم يفز قبل مارادونا بأي بطولة، لولا أن قاده هذا الساحر الأرجنتيني إلى الفوز ببطولة الدوري الإيطالي "الكالشيو" مرتين، منتزعًا إياه من فرق شمالي إيطاليا القوية والغنية مثل إيه سي ميلان وإنترميلان ويوفنتوس، بخلاف الفوز بـكأس إيطاليا مرة، وكأس الاتحاد الأوروبي مرة..
واستطاع النجم الراحل أن يتألق ويؤكد موهبته وسط كوكبة من أفضل نجوم العالم وقتها وعلي رأسهم ميشيل بلاتيني وزيكو وبونيك ورود خوليت وفان باستن وريكارد وسقراطس وكاريكا وروسي وغيرهم من نجوم المستطيل الأخضر. ولعل هذا ما جعل مواطني مدينة نابولي يعتبرون بطلهم "أيقونة خالدة" حتى بعد رحيله عن إيطاليا..
رحم الله مارادونا الذي أمتع الملايين وبهرهم بفنه وموهبته وكرته الجميلة، فغفر له عشاقه ومحبوه ــ رغم صدمتهم أحيانًا ــ كل زلاته وشطحاته وأفعاله المجنونة وإدمانه، وتماديه في طريق الغواية!!
ويبدو أن النصف الأول من المثل القائل "حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمني لك الغلط" ينطبق على علاقة الجماهير بمارادونا، فلولا أنهم يحبونه بشدة، ولولا الكاريزما التي يتمتع بها، كما لو كان أحد القادة العظام الذين خلدهم التاريخ، لكانوا شوهوا صورته تمامًا، ولبات في طي النسيان.
......................................
** أما فيما يتعلق بالحدث الثاني وهو نهائي القرن الإفريقي بين الأهلي والزمالك، فكنت أتصور أن المساحة ستسمح بتناول الحدثين في مقال واحد، ولكنني أجدني مضطرًا إلى تأجيل الحديث عنه إلى الأسبوع المقبل، وسيكون ــ بمشيئة الله وإذنه ــ حديثًا مختلفًا ــ بقدر الإمكان ــ عما كتب من قبل.