Close ad

الاعتذار واحترام العمر

5-12-2020 | 11:43

يحرم الكثيرون أنفسهم من الفوائد الرائعة للاعتذار ويحملون أنفسهم أعباء لا مبرر لها لرفض الاعتذار والتعامل معه وكأنه ينتقص من كرامتهم ويقلل من شأنهم ويجعلهم يبدون صغارا؛ والمؤكد أن الاعتذار يضيف لصاحبه ويؤكد أنه كبير مهما كان صغيرا بالعمر..

يبذل البعض مجهودًا كبيرًا للتهرب من الاعتذار؛ فنجد من يتهم من ضايقهم بالحساسية الزائدة أو أنهم غاضبون من أمور أخرى ولذا يتوقفون عند أمور عادية ويطالبونه بالاعتذار عنها وهي لا تستحق ذلك..

ونرى من يقولون نعتذر - إذا - كنت ترى ما فعلته خطأ؛ وفي ذلك إضافة للخطأ الذي فعله خطأ الاستهانة بما فعله وربما الاستكبار؛ وهو أسوأ ما يفعله الإنسان بنفسه دينيًا ودنيويًا.
ففي الأولى؛ من أسوأ الصفات المرفوضة والمكروهة دينيا الكبر؛ ففي الحديث الشريف: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر.

والكبر هو بطر الحق ورده تجبرًا وترفعًا؛ أي رفض الاعتراف بالخطأ والهروب من تحمل تبعاته..

ودنيويا؛ فلا أحد يحب من يتكبر ويرفض الاعتذار وحتى لو استمر البعض بالتعامل معه؛ فسيقل حبهم له وسيتعاملون معه بمنحه "أقل" ما يمكنهم من قبيل عطاء الواجب أو تسيير الأمور، بينما عطاء الحب واسع وجميل ويذيب صعوبات الحياة.

الاعتذار ليس رد اعتبار لمن أخطأنا بحقهم فقط - كما يظن الكثيرون - وكلنا نخطئ ونصيب، ولكن أيضا إعلان تبرؤنا من نية الإساءة لهم وتجديد للتعبير عن حرصنا على جميل ودنا وحبنا لهم ورفضنا للسماح بأي شوائب في علاقتنا بهم.
والاعتذار ذكاء واحترام للعمر يحسب لصاحبه؛ فهو يوقن بقصر الحياة مهما طالت وأن من الذكاء ألا يقصر بعض منها في التهرب من الاعتذار "والالتفاف" حوله وأن يبادر به بلطف وبصدق وألا يكرر الخطأ؛ فالاعتذار الحقيقي - يمنع - تكرار الخطأ، أما المزيف فسيسمح بالتكرار ويكتشفه الأخرون بسهولة.

مع أهمية تجنب المبالغة بالاعتذار وإذا أصر الطرف الأخر على رفضه وتعامل بصلف فنوصي بالابتعاد فالحرص على عزة النفس مطلوب دوما؛ ولا شيء يبرر التخلي عنه ويستنثني من ذلك بالطبع الحرص على رضا الوالدين بكل الأحوال.

الاعتذار دليل القوة النفسية وليس مؤشرًا على الضعف كما يتوهم البعض من الجنسين وبكل الأعمار؛ فالقوي حقا هو من يدرك أنه ليس كاملا؛ فلا أحد منا كامل، ويسعى دوما ليكون أفضل ويهتم بالتعلم من أخطائه ويحب أن يرى نفسه بأفضل ما يكون والعكس صحيح.

وننبه لعادة يفعلها البعض بالإسراف بالاعتذار على أتفه الأمور ليبدو بأعين الناس الإنسان اللطيف ويخسر كثيرًا؛ فالناس يدركون الفرق بين المبالغات والصدق، ويتلقفها البعض باستهتار بالغ لأنهم يرون من يفعلها متلهفا لنيل رضا الناس ويؤذونه بالكلام وبالتصرفات ونوصي بتجنب ذلك حماية للنفس وللعمر من الخسائر.

ونصل لإدمان الاعتذار كوسيلة للتهرب من دفع الثمن عند تكرار ارتكاب الأخطاء؛ وهو أسلوب عند البعض يتسبب بالمشاكل له؛ والأذكى الاقتناع بأن الخطأ لن يمحى بالاعتذار أو بتكراره وأن حب النفس - بذكاء - يقودنا للامتناع عن فعل ما نعرف أنه خطأ ليس خوفًا من توابعه فقط؛ ولكن لأننا نستحق الحياة بأقل قدر من المضايقات وادخار طاقاتنا لنفعل ما يفيدنا ويسعدنا بدلا من إضاعتها في الدفاع عن أخطائنا أو تكرار الاعتذار عنها مما يفقدنا مكانتنا المميزة لدى من نتعامل معهم ويجعلنا نشتبك بصراعات تخصم منا كثيرًا.

ولا نوصي بالاعتذار إلا عند التيقن بارتكاب الخطأ؛ وليس للتهرب من موقف حرج يصر البعض بوضعنا به لمضايقتنا فمن يتهاون بحقوقه يحرض الآخرين على التمادي في سلبه حقوقه.

والاعتذار الناجح يكون بكلمات قليلة ومركزة توضح عدم تعمد الإساءة والاعتزاز بالطرف الآخر والتعهد بعدم التكرار مع المسارعة بتقديمه وعدم تأجيله فالتأجيل يضعف منه كثيرًا؛ كالبقعة التي نتأخر بإزالتها فتترك أثارًا.

وتجنب كلمات مثل؛ تعرف أنني كنت أمزح ولا أقصد سوءًا؛ فهذا أسوأ اعتذار ويخفي كبرًا واتهامًا يلتقطه بسهولة الطرف الآخر..

ومن البديهي أن ما يرفضه الآخرون إن قيل بجدية سيرفضونه كمزاح؛ فلا داع للتذاكي؛ فالذكي لا يتجاهل ذكاء الآخرين أبدًا
أو جمل مثل أعتذر إذا كنت تضايقت بسببي فكلمة "إذا" تقلل من الاعتذار وبها استهانة بما فعله المعتذر وكأنه يقول: ما فعلته لا يسبب الضيق وأنت الذي تبالغ، وكأن المعتذر يرغب فقط في إنهاء الموقف الذي يزعجه ولا يهمه مشاعر الآخرين.

من يرفض الاعتذار يحرم نفسه من فرصة يستحقها لإعادة النظر بتفكيره وكلامه وتصرفاته وكلنا نحتاج لذلك ومن لا يفعل يتراجع دون أن يشعر، والاعتذار المزيف أو الذي يبرر الخطأ يضاعف الإساءة ويزيد من صعوبة نسيانها..

ويمحو الاعتذار بصدق الغضب ويرسل رسالة لطيفة وجميلة للطرف الآخر مفادها؛ نعتز بك ونحرص على تجنب ما يؤذيك ويضاعف احترامه وتقديره لنا ويجعله أكثر حرصًا على حسن التعامل معنا والعكس صحيح عند - تعمد - رفض الاعتذار أو إلقائه بوجه من أسأنا إليه بكلمات تظهر عدم الاكتراث والرغبة من النجاة - فقط - من العقاب.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: