وافق مجلس الشيوخ مؤخرا على مشروع قانون اللائحة الداخلية لعمله، وأحالها إلى مجلس النواب لإقرارها. ومن اهم ماجاء به المادة 262 التى نصت على أن موازنة المجلس مستقلة وتدرج رقما واحدا فى موازنة الدولة. وهو ماطرح التساؤل حول مدى أحقية المجلس فى هذا الامر؟ حدد الدستور المصرى (2014) الجهات التى تطبق عليها موازنة البند الواحد، فى كل من الهيئات القضائية (مادة 189)، والمحكمة الدستورية العليا (مادة 191)، والقوات المسلحة (مادة 200)، ومجلس الدفاع الوطنى (مادة 203) لاعتبارات راها المشرع ضرورية لأغراض الامن القومي او الفصل بين السلطات وعدم تغول السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية, كما أضاف قانون الموازنة 53 لسنة 1973 وتعديلاته، كلا من الجهاز المركزى للمحاسبات ومجلس النواب. وموازنة البند الواحد تعطى للجهة الاموال المخصصة لها كاعتمادات إجمالية، يتم التصرف فيها دون التقيد بتقسيمات الأبواب المنصوص عليها فى الموازنة. وبالتالى فهى تختلف عن الموازنة المستقلة، والتى توسع الدستور كثيرا فى استخدامها،حيث تكرر النص كثيرا على حصول بعض الجهات عليها مثل الوحدات المحلية (المادة 178)، والمجالس المحلية (المادة 182)، والمجلس الأعلى لتنظيم الاعلام (المادة 211 )، وهو لفظ عام ليس له دلالة علمية محددة، خاصة انها كيانات داخل الموازنة العامة للدولة وليست خارجها مثل الهيئات الاقتصادية، فتلك التي تطلق عليها موازنات مستقلة. أما داخل الموازنة فان كل جهة من هذه الجهات تعد لها موازنات مالية وفقا للقانون المنظم لها، ويتم تجميعها جميعا في إطار أشمل هو الموازنة العامة للدولة وتنطبق عليها أسس ومبادئ وقواعد محاسبية ومالية موحدة يجب علي الجميع الالتزام بها. ومشكلة التوسع فى موازنات البند الواحد انه يهدر مبدأ أساسيا من مبادئ الموازنة وهو الشمول والذي بمقتضاه يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة ونفقاتها فى إطار واحد يسهل متابعته، وبالتالي لا يجوز ان تنشأ حسابات خارج هذا النظام. بل يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة في الخزانة العامة والتي تقوم بتوزيعها على مختلف جوانب الإنفاق العام وفقا لما يرتئيه المجلس التشريعي عند مناقشة مشروع الموازنة.
الأمر الذي يتطلب الحد من هذه المعاملات المالية والحد من النفقات السنوية التي يرخص بها بموجب تشريعات أخرى بخلاف قانون الموازنة. وهذا لاينفى بالطبع وجود بعض الاستثناءات من هذه المسألة وهو ما ينطبق على جهات معينة لطبيعة عملها مثل القوات المسلحة والهيئات القضائية وجهاز المحاسبات نظرا للطبيعة الخاصة بعملهما، فعلى سبيل المثال لايخفى على احد الدور المهم الذي يلعبه القضاء والهيئات القضائية في ترسيخ قواعد الممارسة الديمقراطية وتعزيز أواصر دولة القانون، وهى من الأمور المهمة والأساسية لجميع المجتمعات، ويتطلب بدوره استقلالية تامة لهذه الجهات حتى تؤدى أدوارها المنوطة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على تحقيق العدل وبسط الحقوق فى ربوع البلاد . وبالتالي فان تكريس استقلال الهيئات القضائية وتدعيمه يعد مطلبا أساسيا وحيويا، وعلى الرغم من تعدد آليات استقلال السلطة القضائية إلا أن الاستقلال المالي يعد احد أهم هذه الآليات. وينطبق نفس القول على الدور المهم والرئيسى للقوات المسلحة والتى تحتاج الى المزيد من السرية فى عملها لاعتبارات الأمن القومى، وهو ما فطن إليه الدستور المصري فوضعها المشرع ضمن الجهات التى تحصل على موازنة البند الواحد، ويناقش مشروع موازنتها داخل لجنة الدفاع والامن القومى وليس لجنة الخطة والموازنة.
اما فيما يتعلق بمجلس الشيوخ فنعتقد أن طبيعة عمله والوظائف المنوطة به وفقا للدستور لاتحتاج الى هذا النوع من الموازنات. يضاف الى ماسبق ما أشارت إليه المادة 267 من المشروع حيث نصت على ان جهاز المحاسبات يضع تقريرا استشاريا عن موازنة المجلس، وهنا يصبح التساؤل عن مغزى كلمة «استشارى» لانها لاتضيف الكثير إذ ان تقرير الجهاز يعرض للمناقشة ولايوجد به اى شىء للاستشارة بل للدراسة والتحليل. ومن المفارقات انه يعطى لنفسه الحق فى مناقشة التقارير السنوية للجهاز عن الحسابات الختامية للدولة، وذلك وفقا للمادة 47 من المشروع، رغم انها وظيفية رقابية يتولاها مجلس النواب دون غيره لانها تتعلق بمساءلة الحكومة فى التجاوزات المالية وفقا للدستور.فوفقا للمادة 28 من قانون الجهاز المركزى للمحاسبات فانه يمارس جميع أنواع الرقابة (المالية بشقيها المحاسبي والقانوني، والرقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة، والرقابة القانونية على القرارات الصادرة فى شأن المخالفات المالية) وقد وضع القانون العديد من الكفالات التي تضمن قيام الجهاز بعمله على أكمل وجه، وهو مايجب الحفاظ عليه وتدعيمه.
ومن الامور المهمة ايضا ما اشارت اليه المادة 284 من حصول رئيس المجلس على مكافاة مساوية لمجموع ما يتقاضاه رئيس مجلس الوزراء، لانه ووفقا لهذا النص سوف يحصل على مكافاة أعلى من رئيسى مجلس النواب والوزراء، اللذين ينطبق عليهما القانون رقم 28 لسنة 2018 بشأن تحديد رواتب نائب رئيس الجمهورية ورئيسى مجلس النواب ومجلس الوزراء، وبمقتضاه يحصل رئيس مجلس الوزراءعلى صافى الحد الاقصى للجور، اى بعد الضرائب، بينما سيحصل رئيس المجلس على مجموع مايحصل عليه اى باضافة قيمة الضرائب، وهو ما يجعل المكافأة اعلى من رئيسى مجلس النواب والوزراء، بل ان وكيلى المجلس سوف يحصلان على نفس المبلغ لانه لافرق بين مكافأة رئيس الوزراء والوزراء، حيث يحصل كل منهما على صافى الحد الأقصى للاجور، وكان من الافضل تركها للقانون المشار اليه آنفا. مع ضرورة تعديل النص ليصبح الحد الأقصى للدخول وليس الاجور، خاصة ان المشروع قد سار على نفس نهج القانون رقم (1) لسنة 2016 الخاص باللائحة الداخلية لمجلس النواب والتي أعفت المبالغ التى تدفع للاعضاء من جميع انواع الضرائب والرسوم، وهو ما يشير إلى الاختلال الكبير في المعاملة الضريبية بين متحصلي نفس الأجر. اذ يجب العمل على إلغاء هذا النص، فى لائحة المجلسين النواب والشيوخ، حتى يتم توحيد المعاملة الضريبية لجميع مكتسبي الأجور، وتتحقق العدالة الاجتماعية والضريبية، والتى يجب ان يكون المجلس اكثر حرصا عليها من الآخرين.
نقلا عن صحيفة الأهرام