Close ad

عن التحول الرقمي .. والابتكار .. والإفهام المأمول

24-11-2020 | 12:08

تطالعنا الحياة بالمستجدات والمتغيرات السريعة كل يوم في كافة المجالات، وكل ما يمكننا ملاحظته مؤخرًا هو هذا التحول الرقمي الملحوظ الذي غزا مجالات متعددة، ويحتل التعليم صدارة هذه المجالات، من حيث كونه ركيزة أساسية لكل مجتمع يطمح إلى النهوض لتحقيق طفرة نحو التقدم والازدهار؛ لذلك كان من الأهمية بمكان بذل الجهد للوقوف على حلول ناجعة لما تنطوي عليه العملية التعليمية من معضلات ومعوقات بغية تحقيق الطفرة المرجوة نحو المستقبل.

وباستعراض أهم المشكلات التي تقوض العملية التعليمية نجدها متمثلة في كثافة الفصول بطبيعة الحال، وفقدان عناصر الإثارة والجذب في نوعية مناهج الدراسة، وما تشتمل عليه من موضوعات غير شائقة تؤدي إلى صرف انتباه الطالب وفقدانه الرغبة في متابعة المدرس الذي يحاول جاهدًا إيصال المعلومة ليحقق الإفهام المأمول!

لاشك أن هذا الانصراف مرده إلى تعلق النشء بالوسائط التكنولوجية والشبكة العنكبوتية وانبهارهم بها وإقبالهم المتسارع عليها واستخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي المنوعة التي تبدد الملل وتسعدهم بإيقاعها السريع، وما تحويه من آليات تيسر حصولهم على المعلومات واستمتاعهم بمشاهدة الأفلام والصور الملونة والمتحركة والألعاب الإلكترونية بحسب الذوق، فتسرع بخطى خيالاتهم نحو الإبداع والابتكار والتفنن في عالم واسع بالغ الرحابة يستوعب ملكاتهم، بجانب تواصلهم مع أصدقائهم متى أرادوا، وهي بهذا تسلب طاقاتهم الاستيعابية لكل ما هو رتيب ورخو مما يتعاطونه في قاعات الدرس التقليدية الروتينية المزدحمة؛ لذا يفقدون تركيزهم بل يعلنون كراهيتهم لمنظومة التعليم وعصيانهم للطرق التلقينية المملة التي تقتل فيهم خاصية الابتكار وتقضي على قدرتهم على الإبداع وحرية التعبير.

من أجل هذا أصبح تغيير منظومة التعليم الحالية أمرًا شديد الإلحاح لابد فيه أن يحل الإبداع محل التلقين، ليتوارى منهزمًا أمام تقنيات إلكترونية حديثة تستخدم كوسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية وهو ما يطلق عليه (نظام التعليم الإلكتروني)، الذي يعتمد على تفاعل الطالب من خلال ما يبث من خلال الشبكة العنكبوتية - المتاح له استخدامها وقتما شاء - من المقررات الدراسية والمحتوى التعليمي والمهاري الذي من شأنه طمس ونسف طرق التلقين التقليدية السائدة التي لم تحقق أي نفع في بناء شخصية الدارس.

وبمسلكنا هذا نحو تحقيق الجودة في العملية التعليمية نضرب عدة عصافير بحجر واحد لأبنائنا، فنمنح فرصة لإقامة الحوار وننمي القدرة على الابتكار والإبداع وسعة الأفق وإعمال الذهن دون تقييد مخل، من خلال تنوع مصادر المعرفة وطرائق عرض المعارف والمعلومات وخلق بيئة دراسية تفاعلية تسهم في تحفيز الطلاب بما يتم استخدامه من الصور، والإنفوجرافيك، والفيديو، وغرف النقاش وعقد الاختبارات الإلكترونية بهدف حفظ المعلومات المكتسبة في الذاكرة؛ مما ييسر عليهم المتابعة ورفع درجة التركيز والاستيعاب لديهم التي تعد من أقوى ركائز النجاح، من خلال تعاون مثمر بين جميع العناصر التي تقوم على إدارة العملية التعليمية من قيادة وإشراف تربوي ومعلمين وطلاب في آن معًا.

ومصداقًا لعلماء النفس التربويين فالتعلم يمر بثلاث مراحل: الانتباه، ثم الإدراك فالفهم. وكلما زادت كل مرحلة دفعت بالثانية نحو الهدف الحقيقي من التعلم.

وكما يحقق النظام التعليمي الإلكتروني فوائد تصب في صالح الطلاب فهي تعود بالنفع أيضًا على المدرسين وأولياء الأمور من حيث توفير الوقت والجهد وتطوير القدرات والخبرات، وسيصبح بمقدور ولي الأمر متابعة أبنائه سلوكيًا وأداءً دراسيًا وتحصيلًا علميًا.

إن شرح الدروس أو تنفيذ المشروعات العلمية والتجارب وتواصل المدرس مع طلابه من خلال الفصول الذكية (الغرف الافتراضية)، خاصة في حال مراجعة المقررات والدروس مع الطلاب قبل عقد الاختبارات النهائية للفصل الدراسي، أو في حال تعليق الدراسة لأي أمور تطرأ على البلاد، كانتشار جائحة مثل ما نواجهه مع العالم من وباء كوفيد ١٩، أو إذا ما ساءت حالة الطقس بشكل مزعج، لن يقف أي من كل هذا أو غيره من الطوارئ حجر عثرة أمام استمرار العملية التعليمية في ظل تطبيق هذا النظام الذي أظنه يلوح في أفق فكر المسئولين عن التعليم في مصرنا المحروسة والذي نشتم روائح تطبيقه مؤخرًا على استحياء أجبرنا عليه ما نمر به من مكافحة وباء لعين يسقط مرضى ويقبض أرواحًا..

إن فلذات أكبادنا يستحقون من الدولة فائق العناية فهم الثروة الحقيقية التي ندخرها للمستقبل، فلا أقل من أن نعنى بتعليمهم وتعلمهم في ظل عالم متغير وعصر مختلف عن عصرنا ومن زمان غير زماننا.. فلنحدثهم بلغة العصر.. وزمن التحول الرقمي.. وثورة التكنولوجيا لضمان نجاحهم وتحقيقًا لعملية الفهم والإفهام!

أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي بأكاديمية الفنون

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة