Close ad

أقوى من الرئيس

20-11-2020 | 08:55

للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قول مأثور يقول فيه لا تدخل معركة مع الصحفيين أرخص شيء لديهم هو الحبر وهي النصيحة التي يعمل بها كبار المسئولين في الدول الديمقراطية، إلا ترامب الذي يعادي بشراسة الإعلام التقليدي الأمريكي منذ أول يوم له في العمل العام عندما كان يواجه هيلاري كلينتون منذ أربعة أعوام، ولم يكن يدري إنه يواجه إمبراطوريات إعلامية عريقة متهمًا إياها بالكذب والتزييف وتسريب التقارير والمعلومات الخاطئة لتضليل الشعب الأمريكي، وكثيرًا ما قام البيت الأبيض بمنع شبكة CNN من حضور الموجز الصحفي في البيت الأبيض.

واستُبعدت صحف "نيويورك تايمز"، و"لوس أنجلس تايمز"، ومجلة "بوليتيكو" الإلكترونية أيضًا، من الاجتماعات، كما قاطعت وكالة "أسوشيتد برس"، ومجلة "تايم"، المؤتمرات الصحفية بسبب طريقة تعامل البيت الأبيض مع الصحفيين وكثيرًا ما احتجّت رابطة مراسلي البيت الأبيض على طريقة ترامب في التعامل معهم، وحالة العداء المتفاقمة بين إدارة ترامب ووسائل الإعلام التقليدية وصلت إلى حد امتناع ترامب عن حضور مأدبة العشاء السنوية لرابطة مراسلي البيت الأبيض التي تقام منذ عام ١٩٢٠، والتي تعدّ إحدى أبرز الفعاليات في عالم الصحافة.

ويجب عدم التقليل من وسائل الإعلام الأمريكية، فإنها جهة رقابية أمكنها سابقًا إزاحة الرئيس نيكسون الذي أُجبر على التنحي في 1974 بفضل عمل صحفي دؤوب؛ كان الصحفي الأمريكي بوب ودورز أجرى تحقيقات كشفت تجسس نيكسون على اجتماعات الديموقراطيين فيما عرف بـ«فضيحة ووترجيت».

الرئيس الأمريكي المعروف بمزاجه الحاد أيضًا، لطالما ربط بين قدرة وسائل الإعلام على تتبّع "أخطائه" و"خطايا" فريقه بوجود علاقة وثيقة بين مكتب التحقيقيات الفيدرالية الأمريكية FBI ووسائل الإعلام، متهما مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بالعجز عن وقف تسريبات تضرّ بالأمن القومي، وراح ترامب للاستعانة بتويتر يغرد عليه كل يوم وبدأ العالم يعرف الأخبار الأمريكية المهمة من تويتر كنوع من العقاب للإمبراطورية الإعلامية العملاقة، بالمقابل يفتح هجوم ترامب المتواصل على وسائل الإعلام "التقليدية" الباب أمامها لاستعادة شعبيتها المتراجعة في ظل منافسة وسائل الإعلام الأخرى.

ومن بين أكبر 200 صحيفة في الولايات المتحدة، اختارت 13 صحيفة فقط المرشح ترامب، وأجمعت بقية الصحف على اختيار المرشح جو بايدن، في حين بقي عدد صغير من الصحف على الحياد.

ومن حسن حظ ترامب أن القواعد الشعبیة المؤيدة له وسط الجمهوريين والمحافظین والمتدينین يكرهون وسائل الإعلام الرئیسیة التقليدية، وتشاهد هذه الفئة من الناخبین محطات تليفزيونیة مثل شبكة فوكس ومحطة نیوز ماكس ومحطة وان أمريكا، إضافة لتليفزيونات محلیة ومحطات دينیة كثیرة-ولجأ الرئيس إلى منصة تويتر، حيث وصل عدد متابعي حسابه أكثر من ٩٠ مليون متابع، ليتحدث مباشرة إلى قواعده الانتخابية، بيد أن تويتر قام بالتحذير من تغريدات ترامب المشككة في نتائج الانتخابات، ووضع علامة تشير إلى غياب الدقة والمصداقية.

وظل كبار الإعلاميين يرددون أنه لا يختلف عن أي ديكتاتور يتهم الإعلاميين الذين ينقدونه بالعمل ضد وطنهم، الأمر الذي يجعلهم في خطر حين يقولون الحقيقة.

وفي المقابل خسر الإعلام الأمريكي معركته، لأنه تحول من وسيط إلى طرف انغمس حتى النخاع في صراع سياسي مباشر، وفي نفس الوقت انتقاد إدارة ترامب لوسائل الإعلام الإخبارية التقليدية، ووصفها بأنها "حزب المعارضة" ومصدر "الأخبار الكاذبة"، بدأ يتحول إلى أفضل أمل للصحف التي تكافح من أجل اجتذاب أعداد أكبر من القراء لمواقعها الإلكترونية، ومن ثم الإعلانات.

مثل وول ستريت جورنال"، و"نيويورك تايمز"، و"فاينانشال تايمز"، "وعلى امتداد السنوات الأربع الماضية شهدت علاقة ترامب بالإعلام الأمريكي تحولات دارماتيكية منذ ترشحه للرئاسة وحتى اليوم، فقد اعتبر الإعلام فوز ترامب برئاسة أمريكا مفاجئة من العيار الثقيل، لأن الإعلام كان يغطّي حملته الانتخابية من باب الترفيه للمشاهد، وكان معظم المعلقين على يقين بأن ترامب لن يفوز بالرئاسة، وقد ترشح من أجل تسويق شركاته وأعماله التجارية، ولكن بعد فوز ترامب على هيلاري كلينتون استيقظ الإعلام من غفوته، وأدرك أنه ارتكب خطأ جسيمًا بتغطية حملات ترامب، فهو ليس مجرد رجل أعمال حالم، بل سياسي جديد، جذب شرائح واسعة من الشعب الأمريكي، كانت قد سئمت من الساسة التقليديين وخدماتهم للوبيات المصالح وتنصلهم من تنفيذ وعودهم.

حاول الإعلام الأمريكي مرارًا التكفير عن دعمه لترامب، فحاول التشويش عليه عبر كشف فضائحه وإبراز تصريحاته ومواقفه المثيرة للجدل، أما ترامب، فقد شعر بالنشوة والسطوة تجاه الإعلام بعدما أدرك أنه حطم القواعد الراسخة، التي تؤكد أنه لا يمكن لسياسي أمريكي أن يفوز دون دعم الإعلام، كما أنه لم ينس يومًا أن الإعلام كان يهدف إلى منعه من الفوز بالرئاسة، فاعتبرهم ألد أعدائه، وكانت أغلب مؤتمراته الصحفية تشهد أحداثًا مثيرة مع مندوبي المحطات التليفزيونية وكبريات الصحف، وطالما رفض الرد على العديد من الأسئلة، وسعى إلى منع دخول بعض الصحفيين البيت الأبيض، لكنهم تمكنوا من العودة بأحكام قضائية.

وعلى الرغم من حبه للظهور وعلاقته المسبقة بتليفزيون الواقع.. إلا أنه كان يجاهر بأن الإعلام يحاربه وأصبح مصطلح «Fake News» من أكثر المصطلحات التي يبحث عنها الناس خلالَ رئاسة ترامب..

وفي آخر حوار له مع البرنامج الأشهر (٦٠ دقيقة) انسحب ترامب من اللقاء، واتهم المذيعة بالانحياز لمنافسه بايدن، الذي اختارت له المذيعة الأسئلة السهلة، بينما اختارت له أسئلة صعبة، وهو ما انعكس سلبًا على جماهيريته.

واستمر في هجومه على الإعلام طوال فترة الانتخابات، وطالب الشعب الأمريكي بعدم تصديق ما يبث حول فوز بايدن، مؤكدًا أن الإعلام ليس الجهة المنوط بها إعلان الفائز.

وكان واضحًا منذ البداية أن هناك ودًا مفقودًا بين الطرفين. كلاهما هاجم الآخر بضراوة، وكلاهما اتهم خصمه بالكذب، ولم يترك أحدهما كلمة في قاموس الهجاء لم يستخدمها.

ومع تفشي فيروس كورونا، أصبح مؤتمره الصحفي اليومي مادة مهمة للسخرية والتهكم على الرئيس، الذي لم يتوقف بدوره عن هجومه على الصحفيين.

ولكن في نهاية الأمر أثبت الإعلام الأمريكي أنه أقوى من أي رئيس وأنه سلطة رقابة حقيقية حتى على الرئيس.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في