فى شهور الخريف، تتقلص ساعات النهار والضوء ويطول الليل والظلام. يشعر البعض بالكآبة. يتذكرون، خاصة كبار السن، النهايات. فى الغرب، يحيون ذكرى ضحايا الحروب والاستبداد فى نوفمبر من كل عام. لكن الخريف، أيضا موسم التساقط. تفقد الأشجار أوراقها. يتوقف إنتاج مادة الكلوروفيل الخضراء وتنسد الأوعية الناقلة للمياه إلى الأوراق، فتذبل ثم تذروها الرياح.
السقوط ليس قاصرا على الأوراق بل يحدث فى شتى نواحى الحياة. تمارس الطبيعة لعبة التطهر من الأدران والتخلص مما لم تعد له فائدة، كى تستعد للعودة فى ثوب جديد. فى السياسة أيضا، تتساقط أوراق انتهى دورها. صحيح أنه يصحبها ضجيج وحزن لكنه يشبه الخرفشة المرافقة لسقوط أوراق الأغصان الذابلة.
ليس غريبا أن انتخابات الرئاسة الأمريكية تجرى فى الثلاثاء الأول من نوفمبر كل 4 سنوات. إنه موسم الخريف الذى يقوم الناخبون فيه بطرد هواء السياسة والسياسيين الملوث ويستقبلون هواء ودماء وأفكارا جديدة.
فى الانتخابات البرلمانية المصرية الجارية حاليا، سقطت وستسقط أوراق كثيرة. طالها الخريف، فلم تعد قادرة على الصمود فى وجه التغيرات. تماما مثل نباتات، توقفت عن إنتاج المادة الخضراء، وربما أنتجت مواد ملوثة. حاولت كثيرا التشبث والبقاء وعدم الخروج لكن عوامل الطبيعة حسمت الأمر.
هناك حاجة لاختفاء أوراق وسياسيين كى تنمو براعم جديدة. خريف السياسة قاس جدا، يشعر معه الذابلون المتساقطون بأنهم يخرجون من الحياة. لم تعد الأضواء تقترب منهم والشهرة خاصمتهم والناس نسيتهم والمحاكم تلاحقهم. لايتذكرون أخطاءهم. فقط يتذكرون أن الكل غدر بهم دون «ذنب»، رغم ما قدموه للبلد والشعب والتاريخ.
فى الخريف، يعتلى الموت الكون ويُلقى الطاووس ريشه، كما تلقى الأشجار أوراقها. يقول الشاعر الراحل بدر شاكر السياب: فى ليالى الخريف، حين أصغى، وقد مات حتى الحفيف والهواء، تعزف الأمسيات البُعاد فى اكتئاب يثير البكاء.
أما الروائى الأمريكى هيمنجواى فيقول: «يموت جزء منكم كل عام عندما تتساقط الأوراق من الأشجار لكنكم تعلمون أنه سيكون هناك الربيع، كما تعلمون أن النهر سيتدفق مرة أخرى، بعد أن تجمدت مياهه». هكذا الحياة والسياسة.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام