Close ad

تغيير حاسم فى رؤية الغرب للإخوان

12-11-2020 | 13:50

ظلت مصر فترة طويلة تحذر من احتضان بعض الدول الأوروبية جماعة الإخوان، وتنبه على ضرورة عدم التساهل السياسى مع أنشطتها، ولا حياة لمن تنادي. البعض تقبل الكلام لزوم اللياقة الدبلوماسية، والبعض تجاهله تماما، وفئة ثالثة ناقشت الملف باستفاضة ولم تتخذ الإجراءات اللازمة للتصدى لما يحمله من تهديدات وجودية.

دقت فرنسا بقوة جرس إنذار خلال الأيام الماضية حول خطيئة تغلغل التيارات الإسلامية فى مجتمعها، ودورها فيما يسمى الانعزالية الأصولية. وبدأت النمسا تنتبه إلى الخطر الذى يلتف حول رقبتها. وهو ما كرره الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارا وفى مواقف ومناسبات مختلفة ولم يجد تعاونا شاملا.

دعك من قصة الرسوم المسيئة، وهى مهمة بالطبع ولها دلالاتها، وركز على النفق الذى دخلته وصورها على أن هناك حربا فرنسية مقدسة على الإسلام والمسلمين، لحرفها عن أهدافها الرئيسية، وهى عدم السماح لتركيا والإخوان بمزيد من التغلغل فى المجتمعات الغربية، وإجهاض عمليات تجفيف منابع الجهات التى تخدم أجندة لم تعد مفيدة لمصالح فرنسا وغيرها من الدول التى لم تتعامل بجدية مع تحذيرات اختراق جمعيات أهلية لها، وحصولها على شرعية فى الحركة.

حاول المحتفون من التنظيمات المؤدلجة بفوز المرشح الديمقراطى فى الانتخابات الأمريكية جو بايدن، التشويش على خطوات فرنسا والنمسا الصارمة تجاه أنشطتهم المختلفة، ولفت الأنظار إلى الرمزية السياسية التى يحملها سقوط المرشح الجمهورى دونالد ترامب. وفر خطاب فرنسا وتحركات النمسا فرصة لمصر لتعزيز موقفها الحاسم فى معركة الإرهاب ومحاربة المتطرفين، من خلال زيادة أطر التفاهم مع الدول الغربية، والبناء على الإجراءات التى اتخذت، لتعميمها فى الدول التى تفتح أبوابها للإخوان. وهى فرصة يجب استثمارها من جانب الجهات السياسية والأمنية. أرسلت فرنسا فى معركتها مع المتطرفين إشارات قوية لعديد من الدول، مثل بريطانيا وألمانيا، بأنها لن تقبل مساومات أو مناورات أو تبريرات لقبول الليونة الشديدة مع جماعة الإخوان،ويجب التخلص من الحواضن السياسية والاجتماعية الآمنة للمتطرفين، بعد أن تمكنوا من تنفيذ عمليات إرهابية فى دول عدة، وأصبحت فكرة الاحتواء غير مقنعة، بل ترتد على عديد من المجتمعات الغربية. وصلت فحوى الرسائل التى جاءت على لسان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وعبر خطوات قامت بها النمسا، إلى الحكومات والنخب الثقافية والسياسية والأحزاب التى تبنت مواقف لينة مع الجمعيات الأهلية التى تنخر فى جسم المجتمعات الغربية، وتم حضهم على تبنى رؤية ثابتة وخشنة ضد تيارات الإسلام السياسي، فلم يعد هناك مجال للتساهل والميوعة والالتفافات السابقة، فالدول تتعرض للخطر، والتهديدات وجودية على الأبواب.

بدأت بعض الدول الغربية تستوعب أهمية أن تخرج عملية مواجهة المتشددين من رحم تغيير الخطاب الموجه إلى أجنحتهم السياسية، دولا وجماعات،وحتمية الحسم مع المنظمات والمؤسسات والهيئات التى تلتحف برداء إسلامي، والمضى على طريق فرنسا التى وضعت خطة لتفكيك ارتباط أبناء الجاليات المسلمة بهؤلاء. وتولدت قناعات لدى الحكومة أن هناك فكرا متطرفا يحملونه سوف يقود إلى هدم الحريات والحقوق والواجبات التى تقوم عليها الجمهورية الفرنسية مثلا، وجرى الاستفادة منها لتكون معبرا لنشر أفكار التيارات الإسلامية. فرضت هذه التوجهات الميل نحو التعاطى بجدية مع الواجهات والجمعيات المزيفة التى تحمل الكراهية، وتعمل من خلال المساجد والمدارس التابعة لها بغرض غسل أدمغة المترددين عليها، وثبت تورط دول مثل تركيا وقطر فى تمويلها ودعمها، وخدمة أغراض جماعات متشددة، وحصلت بعض الدول الغربية على معلومات تعزز الدور الذى تقوم به أنقرة والدوحة فى تغذية التطرف والإرهاب فى العالم.

لك أن تتخيل أن اتحاد (أتيب) التابع لهيئة الشئون الإسلامية التركية، يملك 64 مقرا ومسجدا فى عموم دولة مثل النمسا، بينها 5 مقار كبيرة فى فيينا، فضلا عن مائة ألف شخص ينضوون تحت لوائه، ويعمل هذا الاتحاد كمظلة تضم مساجد وأندية ثقافية بهدف نشر أفكار أردوغان الدينية، وإيجاد مجتمعات تستطيع خدمة مشروعه السياسى فى دول أوروبية متعددة.

أرادت فرنسا والنمسا التأكيد أنهما تعرضتا لعمليات إرهابية، بعد أن تمسكتا بحماية منظومتهما القيمية، ولم ترضخ أى منهما للضغوط والابتزازات التى تعرضت لها من جهات مختلفة، وعلى الدول الأوروبية الأخرى المعروفة بنشاط الجمعيات الإسلاميةعلى أراضيها عدم التردد فى خوض هذه الحرب، والتحلى بالشجاعة واستيعاب دروس المواجهة التى لن تتوقف قبل اجتثاث جذور المتطرفين، وتجد كل دولة نفسها فى معركة مكلفة تهدم قيمها. تستطيع مصر المساهمة فى هذه الحرب المصيرية بما لديها من وقائع موثقة، وتعيد الاعتبار لما جرى الحديث عنه قبل سنوات ولم تتجاوب معه الدول الأوروبية، والتى كانت مغرمة بفكرة احتواء ما يسمى المعتدلين، وتمعن فى التفرقة بينهم وبين المتشددين، حتى أثبتت الأيام أنه لا فرق، والتنسيق يتم بينهما على قدم وساق.

ينطلق التعامل المصرى مع التطورين المهمين فى كل من فرنسا والنمسا، والمرجح أن يجذب معه تطورات على مستوى دول أوروبية أخري، من تقديم المزيد من المعلومات الدقيقة، وعدم تجاهل التفاصيل التى يغرم بها الغرب، بمعنى توفير أدلة تثبت حقيقة جماعة الإخوان وروابطها السياسية والأمنية فى المنطقة، والأشخاص الذين تعتمد عليهم فى مصر أو غيرها، فهذه الخريطة كفيلة بقطع أى شكوك حول وجود مصلحة خاصة أو رغبة فى الانتقام. وفرت التحركات الغربية الأخيرة فرصة لتعزيز رؤية مصر التى بح صوتها لتوصيلها والعمل بها، حيث توجهت باريس بخطابها إلى الفضاء الغربى مباشرة، وحثته على عدم التهاون مع رعاة الإرهاب، والتوقف عن الاستهانة بالتصورات الرائجة. وأصبحت الأجواء مناسبة تماما لتخرج أجهزة الأمن المصرية المخزون الكبير من المعلومات التى تثبت خطورة التساهل مع التسلل الناعم للجمعيات التابعة للإخوان، والوصول إلى تغيير حاسم معهم.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر لم تغب عن ليبيا

اعتبر البعض زيارة وفد مصري هذا الأسبوع لطرابلس لترتيب إعادة فتح السفارة في العاصمة الليبية، والقنصلية في مدينة بنغازي، خطوة لاستعادة دور مصر فى ليبيا،

مغالطات الشرق والغرب فى ليبيا

مغالطات الشرق والغرب فى ليبيا

الواقعية المصرية والتهور التركي

يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسي قدرته على التعامل بواقعية مع الأزمات الخارجية، والتي تراعي مصالح مصر في ظل خرائط إقليمية معقدة، وتفاعلات دولية غامضة.

القوة الناعمة والقوة الخشنة بعد كورونا

حاولت البحث عن فكرة مناسبة لهذا الأسبوع بعيدا عن كورونا فلم أجد. كلما لاحت في الأفق فكرة وجدتها تصب في هذه الجائحة من قريب أو بعيد. أصبحت حياتنا تبدأ بالاطلاع

الأكثر قراءة