عرفنا أستاذنا عبده مباشر فى الأهرام فيلسوفا، متحدثا لبقا، حكاء، يروى الأحداث التى عاصرها بطريقة تؤسر جلسائه، فمع أروع حكاياته ورواياته، وهو الذى استغل هذه الموهبة التى أنعمه بها المولى عز وجل ليكون شاهدا على العصر بنوادر كتبه التى تركها للمكتبة المصرية، بل لا أجافى الحقيقة إذا قلت إنه ترك قيمة معرفية ضخمة للتاريخ.
فعبده مباشر الذى ترك عالم القانون الذى درسه ليكون صحفيا لامعا فى عالم صاحبة الجلالة، غرس بصمات واضحة المعالم فى الأهرام، فله مريدوه وحواريوه، فما كان يدخل غرفة الدسك المركزى إلا وامتلأت بمحبيه لينهلوا من علمه وثقافته وليستمعوا الى حكاياته الشيقة..وإن أخذ موقعه على طاولة الدسك المركزى تحول الى إنسان معلم للصحافة، لينقل لنا خبراته بهدوء شديد.
أما سبب حديثى اليوم عن أستاذى عبده مباشر، فهو كتابه الرائع (البحرية المصرية من محمد علي إلى السادات 1800- 1973).. فهو عبارة عن بث حى لتاريخ البحرية المجيد، ومن دواعى المصداقية التى يتحلى بها تطرقه الى بعض فترات ضعف وركودها.
وأعتقد أنه لو احتاج صناع فيلم الطريق إلى إيلات إلى إنتاج جزء ثان عن قصة المعركة العظيمة فلن يجدوا أفضل من هذا الكتاب ليكون نبراسًا لهم وناقلًا مشرفًا لكل ما حدث، قبل وأثناء وبعد العملية.
ومن الأبواب المشوقة فى الكتاب، ما نقله مباشر نقلًا حيًا عن رغبة السوفيت فى إقامة قواعد بحرية لهم فى مصر، وكيف قضت المحروسة على هذه الرغبة الخبيثة التى كانت ستعد بمثابة احتلال سوفيتى لمصر آنذاك، وهو الطلب الذى بدأ عام 1964 تحت ذريعة زيادة التعاون والصداقة بين البحريتين؛ مما سينعكس إيجابيًا على البحرية المصرية.
وطبعا فطن قادة البحرية المصرية للخديعة السوفيتية، لأن حقيقة الأمر كان انتقاصًا من السيادة المصرية على قواعدها.
فقد كان السوفيت ينوون العربدة فى الأجواء والبحار المصرية، وبناء قواعد دائمة لهم بالمنطقة.
وبرغم مداركه الواسعة وقراءاته المتنوعة، فضل مباشر ألا يترك عشقه للعسكرية المصرية، فنقل كل خبراته عنها فى كتب تعد قيمة مضافة للمكتبة العسكرية.
صديقي وأستاذي..علمتنا أن نقدس مهنتنا، وألا تغادر الابتسامة وجوهنا.. وسنظل مبتسمين، ولك ممتنين.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام