Close ad

السعادة والعمر الضائع

17-10-2020 | 03:09

كثيرًا ما نقضي أوقاتًا ونحن نبحث عن أشياء ثم نكتشف أنها كانت أمام أعيننا ولم ننتبه لوجودها..
 
فلنتوقف بأمانة لنسأل أنفسنا عن "نصيبنا" حاليًا من السعادة وهل "ساعدنا" أنفسنا لنفوز به كاملًا؟ أم واصلنا البحث عنه وتركناه "يتفلت" من بين أيدينا؟
 
المؤكد أننا جميعًا نحتاج للتوقف عن البحث عن السعادة وانتظارها بعيدًا عن كل ما يوجد في متناول أيدينا، وأن نبادر بالتقاطها بتفاصيل حياتنا اليومية؛ بدءًا من الابتسام لأنفسنا ولمن نحب ببداية اليوم، وتناول قهوة الصباح والسعي لنكون أفضل وتحقيق أي إنجاز ولو كان صغيرًا؛ فالسعادة هي كعقد تتكون حباته من حبات صغيرة..
 
المؤلم أننا "نؤجلها" لحين حدوث أحداث كبيرة؛ كالفوز بجائزة أو سداد ديون أو الحصول على ترقية بالعمل، أو انتهاء الدراسة أو في إجازة المصيف، أو بعد الانتهاء من مهمة ثقيلة، ويربط البعض من الجنسين بالسعادة والزواج وآخرون بين نجاح الأبناء والفرح..
 
ونلحق بأنفسنا أبلغ الضرر عندما نفكر ونتصرف ونقوم "برهن" أعمارنا ونضعها تحت رحمة ظروف وأحداث قد تأتي أو تتأخر طويلًا "ويتسرب" العمر؛ فلن ينتظر حتى نقرر السعادة بما لدينا "باللحظة".
 
ثبت أن كل ما يلحق الضرر بالناحية النفسية يؤذي صحتنا الجسدية، وبالتالي يقلل من قدرتنا الجيدة على التعامل بكفاءة مع تحديات حياتنا اليومية فيعرضنا للمعاناة الزائدة التي لا نحتاج إليها بكل تأكيد، فكفانا ما نشعر به من تزايد ضغوط الحياة..
 
هذا التفكير وتأجيل السعادة يضرنا؛ لأنه يعطينا شعورًا داخليًا راسخًا بأنه لم يحن بعد وقت الراحة، وأن فرص السعادة ليست بأيدينا في الوقت الحالي، وأمامنا الكثير حتى نظفر بها، وكأننا نضع بأيدينا المزيد من العراقيل التي تمنع إحساسنا ببعض من الارتياح والسرور وهما الوقود الذي لا يستطيع الإنسان مواصلة حياته بنجاح "يستحقه" وبأقل قدر ممكن من المعاناة بدونهما.
 
كما أن من يتمتع بهما يمنح نفسه قوة إضافية تضاعف من قدرته على الإنجاز وتنمي قدرته على تحمل ما يضايقه - ولا مفر من تجنبه – بنفس راضية تردد لنفسها: حسنًا إذا كان هناك ما يضايقني بالحياة، ففيها أيضًا ما يسعدني وأجد به الواحة التي أستظل بها أحيانا لتمتص غبارات الواقع وغباوات البشر والتي لا تخلو منها أي حياة في أي زمان ولا مكان..
 
نزداد شعورًا بأننا نحرم أنفسنا من هذه الراحة النفسية "الرائعة" لأننا عندما نؤجل السعادة بمثل هذا التفكير وبما يشبهه، فإننا نلحق بأنفسنا الهزيمة النفسية، ونقوم بتأجيل حياتنا دون أن ندري ونواصل اللهاث اليومي بنفس غير راضية عن حاضرها وتسمح للإجهاد بأن يدير دفة حياتها، وتخضع بإرادتها تحت سيطرة الانتظار، فتضيع من بين أيديها فرصة الفرح بما تمتلكه بالفعل.
 
الذكي – وحده - هو الذي يعيش اللحظة، ويسعد بكل ما أمكنه الحصول عليه في حياته حتى يومه ولا يؤجل مثل هذا الإحساس بالسعادة لحين الحصول على ما يريد من طموحات وأحلام مشروعة..
 
فكم من فتاة أضاعت سنوات طويلة من عمرها وربطت بين السعادة والزواج، فضاعت منها الحيوية وروح الشباب ولم يأت الزوج، أو جاء فوجدها قد أدمنت الانتظار فكبرت قبل الأوان..
 
وكم من آباء وأمهات راح الواحد منهم يعد الأيام والسنوات حتى "يطمئن" على حياة أبنائه، فأضاع سنوات عمره ولم يتمتع برؤية أبنائه وهم يكبرون وتعامل معهم على أنهم عبء يجب الخلاص منه وإلقائه بعيدًا عن كاهله، وتناسى أن الأبوة والأمومة – على حد سواء - بها جزء من العبء وآخر من المتعة، وأن الأذكياء وحدهم هم الذي "يجاهدون" بوعي لزيادة نصيبهم من المتعة فيها ويستطيعون مضاعفة كفاءاتهم على التعامل الإيجابي مع الأعباء التي لا مفر من تحملها، ولسان حالهم يقول: هذه رسالة رائعة ولنا أجرنا عند الخالق عز وجل مما يرطب من جفاف الحياة وينمي من مباهجها ويخلق أواصر المودة بين الأبناء والآباء والأمهات مما يقلل من مشكلات التربية بصورة رائعة..
 
يقوم الكثيرون بتأجيل سعادتهم وتعطيل حياتهم بسبب مشكلات العمل وانتظار تحقيق الأحلام فيه، فإذا استمتعنا بالقدر الذي أنجزناه في العمل – ولو كان ضئيلا - أمدنا ذلك بقدر من الرضا الداخلي والتفاؤل المشرق فضلا عن الثقة بالنفس؛ مما يدعم إيجابيًا من سعينا نحو تحقيق المزيد بنفس هادئة.
 
والمؤكد أن الهدوء والتروي يحققان للإنسان أضعاف ما يحققه التعجل والاندفاع حيث تكثر الأخطاء وتسوء النتائج وتنعدم فرص الإتقان والتجويد؛ لأن الإنسان يتعامل مع عمله ولسان حاله يقول: متى أزيح هذا الهم عن كاهلي وألتقط أنفاسي..
 
فليتوقف كل منا عن إيذاء نفسه وليقل: سأرفض تأجيل الفرح بما لدي ولا لإضاعة العمر ونعم لتذوق كل ما لدينا من نعم ببطء وبسعادة وبشكر داخلي ولنعش كل يوم وكأنه آخر يوم لنا في الحياة فنبدأه بابتسامة وشكرا للخالق على نعمة الحياة، ونتأمل بفرح مع كل مفردات حياتنا اليومية مما يرشحنا لحياة أفضل وبالنجاة من دائرة اللهاث الدائم التي لا تجلب معها سوى الخسائر النفسية والمادية أيضا..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة