على العكس تمامًا من المٌناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن والتي كانت - كما ذكرت في مقال سابق - مليئة بالفوضى والتجاوزات والإهانات بين كلُ منهما وكانت عبارة عن صدام بين الشخصيتين لا أكثر ولا أقل، بل كانت المٌناظرة الأسوأ في تاريخ المٌناظرات الرئاسية السابقة.
على العكس من ذلك كله جاءت مٌناظرة نائبي الرئيس بين
مايك بينس وكاملا هاريس كانت عبارة عن حوار راق ونقاش هادئ وقد يعود بفائدة أكبر على كل من ترمب وبايدين ويٌمكن أن يعود هذا النقاش بفائدة أكبر في توضيح الفروق الكبيرة بين برنامجي الفريقين بما يهُم جمهور
الناخبين الأمريكيين .
ووصفها عدد من المٌحللين السياسيين بأنها قد تكون المٌناظرة الأهم من نوعها في التاريخ الأمريكي لأن كاملا هاريس هي الأولى من أصول هندية (
الأمريكيين الأصليين ) التي تظهر في مٌناظرة من هذا النوع والحقيقة أن ظهور كاملا هاريس في المشهد الانتخابي دعم موقف الديمقراطيين وأصبحوا يقدمون أداء أقوى حسب ما أظهرته آخر استطلاعات الرأي، وعلى الرغم من أن كاملا هاريس كانت مٌدعية عامة في كاليفورنيا وأن تاريخها الانتخابي كان سيئَا عندما ترشحت للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي وجاءت في المرتبة الخامسة في نهاية المطاف ولم يستقبل
جمهور الديمقراطيين حديثها بشكل جيد وقتها .. إلا أن المٌناظرة الأخيرة غيرت هذه الصورة عنها بشكل كبير .. ونتذكر أنه قبل أربع سنوات قدم
مايك بينس والذي كان وقتها حاكمًا لولاية إنديانا .. قدم أداءً قويًا في مواجهة المٌرشح الديمقراطي الى جانب هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 وهو السيناتور تيم كين القادم من فريجينيا ..
ونعود لمٌناظرة (بينس وهاريس) والتي جاءت لتعكس الفارق الكبير بين أداء رجلين يمثلان شيخوخة المنظومة الأمريكية وكل ما هو خروج عن المألوف في مناسبات كهذه وبين اثنين ينتميان بعمق إلى المؤسساتية الأمريكية بشكلها الكلاسيكي مع لمسات حداثية نظرًا لصغر عمريهما بالنظر إلى رئيسيهما وتنوع خبراتهما خلال تاريخهما المهني، وهو ما يُفسر الأداء المتقارب لكل منهما خلال المناظرة التي أعادت هيبة المناظرات التقليدية القائمة على
المناورات العقلية مع الحسم في الإدارة والتي مثلتها الصحفية المخضرمة سوزان بيج من صحيفة "يو إس تودي" ومَثَّلَ كلا الطرفين بشكل حقيقي الطرف الذي ينتمي إليه سواء على مستوى اليمين المحافظ في حالة
مايك بينس أو اليسار الديمقراطي التقليدي في حالة كاملا هاريس وأثبت كلاهما أنه مناور جيد ونجح كل منهما في قلب الطاولة في بعض النقاط، في حين فشلا أيضًا في الإجابة عن سؤالين أو ثلاثة، واحتمال أن اللحظة الاستثنائية التي تمٌر بها الولايات المتحدة الأمريكية على كافة المستويات والتي انعكست بشكل كبير على مشاهد المٌناظرة السابقة بين ترامب وبايدن هو ما جعل هذه المناظرة استثنائية بدورها على عكس أي مناظرة سابقة بين نواب المرشحين للرئاسة في الظروف العادية فحالة الاستثناء لا تأتي فقط من دخول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمستشفى وخضوعه للعلاج والمراقبة الصحية حتى بعد خروجه من المستشفى، مع تشكك كبير في قدرات بايدن الصحية على مستوى إدارة العمل اليومي، ناهيك عن الاستمرار في منصبه بل تمتد هذه الحالة لمسألة الإغلاق الاقتصادي مع تصاعد حدة الاستقطاب السياسي والاجتماعي واتساع دائرة الاستعداد للعنف السياسي والاجتماعي كل هذا دفع الغالبية من الناس للنظر إليها بوصفها مناظرة بين الرئيسين المحتملين على المدى القريب أو المتوسط فهما الأكثر نشاطًا ويعكسان فكرة الرئيس المحتمل بعد كل من
بايدن العجوز وترامب المريض في أذهان الناس .. وللحديث بقية