مبدئيا أرجو ألا يقنعني أحد أن كل الدول وكل الأندية تستجلب لاعبين ومدربين أجانب، فلكل دولة ظروفها وإمكاناتها؛ لأن ما يحدث في كرة القدم المصرية غريب وغير مبرر في ظل الإمكانات المحدودة، حيث تتصارع الأندية على التعاقد مع لاعبين ومدربين أجانب في إهمال واضح لمدارس الناشئين وتأهيل مئات المدربين المصريين، وكل ذلك على حساب تطوير اللعبة في ظل مدارس كروية مختلفة تشتت المنتخب القومي، وليت الأمر وقف عند ذلك بل شاهدنا انسحاب المدربين الأجانب في وسط الموسم ورفضهم الاستمرار؛ فعلها كارتيرون مدرب الزمالك وفايلر مدرب الأهلي، رغم أن مرتب الأخير كان يقترب من الثلاثة ملايين جنيه شهريا (١٨٠ ألف دولار).
لذا تعلمت إدارة الأهلي من أخطائها السابقة، حيث اتفقت على ضرورة إسناد مهمة المدرب العام لمدرب مصري تحسبا لرحيل الخواجة الجديد في أي وقت، وإذا كانت الأندية تستجلب حكاما ومدربين ولاعبين أجانب فلم يعد ينقص المشهد إلا استجلاب جماهير، وهي آخر عناصر اللعبة، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد حسم الجدل حول جنسية المدير الفني للمنتخب الوطني، خلال جلسة "اسأل الرئيس"، في ختام مؤتمر الشباب، وقال السيسي، إن مصر لن تتعاقد مع مدربين أجانب للمنتخب الأول مجددًا، مضيفًا: "لازم نثق في المدرب المحلي أكتر.. وبعدين كده كده النتيجة واحدة"، ما أثار عاصفة من الضحك في قاعة الجلسة، قبل أن يستدرك الرئيس، أنه يقصد أنه في أي عمل وأي ظروف، الجدية والتجرد والإخلاص هما سر النجاح.
تعليق السيسي، الكروي، كان على خلفية خروج "الفراعنة" المبكر من بطولة الأمم الإفريقية الأخيرة، التي أقيمت على أرض مصر، رغم وجود عامل الجمهور، والمدرب الأجنبي الذي كان يتقاضى أعلى راتب بين مدرب منتخبات البطولة حديث الرئيس، استدعى البحث وراء صناع إنجازات التي حققها منتخب "الفراعنة" طوال تاريخهم، وهل كانت الأفضلية فيها للمدرب الأجنبي أم للمصري؟!.
وبقدر النجاحات التي حققها المدرب الوطني على المستوى المحلي، فإن أفضل إنجازات الأهلي تحققت على يد البرتغالي مانويل جوزيه وقبله المجري ناندور هيديكوتى، ثم الألماني فايتسا، والنجاح ليس فقط في حصد البطولات وإنما في تأثير هؤلاء الأجانب على مستوى الأداء وطرق اللعب.
ولكن المدرب الأجنبي دائمًا ما يمتلك شخصية قوية وقادر على التعامل مع اللاعبين دون النظر واعتبار لاعب نجم وآخر ناشئ، لاسيما وأنه يجهل جميع الأسماء في بداية توليه المهمة، وهو ما يجعله قادرا على اختيار التوليفة التي سيلعب بها دون النظر لأي حسابات أخرى، على عكس المدرب المحلي الذي قد تكون له حسابات مختلفة في اختياراته مثل العاطفة.
ودائمًا ما تشهد الأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك ما يسمى بـ«عقدة الخواجة»، خاصة في ظل سيطرة بعض القناعات على لاعبين معينين بأنهم نجوم الفريق، وهو ما يجعلهم يختلقون المشاكل إذا كان على رأس المهمة مدرب محلي، بينما يتجنبونها في حالة أن المسئول عن القيادة الفنية أجنبي، خوفًا من مصير الاستبعاد والتجميد.
وتبقى حكاية "حسن شحاته" الحائز على جائزة الكاف لأفضل مدرب في إفريقيا لعام 2008، كما صنف كأفضل مدرب في إفريقيا عام 2010 في ترتيب الاتحاد الدولي للتأريخ والإحصاء، وتم اختياره ضمن أفضل 5 مدربين واستطاع خلال مسيرته المظفرة، قيادة مصر للفوز على إيطاليا في الجولة الثانية من كأس القارات 2009، قبل أن يخرج البرازيل بأداء لا يُنسى في المباراة الافتتاحية التي انتهت بفوز بشق الأنفس لسحرة السامبا بنتيجة 3/4 في الوقت الضائع.
وخلال تصفيات كأس العالم 2010، لعبت مصر كرة ممتعة تحت قيادة شحاته، وكادت تترشح إلى جنوب إفريقيا، لولا الخسارة بهدف نظيف أمام الجزائر في مباراة فاصلة أقيمت بملعب أم درمان في السودان، وفي عام 2011 أقيل حسن شحاته بسبب إخفاقه في التأهل إلى كأس أمم إفريقيا أمام جنوب إفريقيا، لتنتهي سطوة مصر وقصة المعلم.
وخلاصة الأمر، أن حكاية المدرب الأجنبي واللاعبين والحكام الأجانب ليست إلا سفها في بلد تتعدى نسبة الفقر فيه الثلث.