Close ad

أمريكا والسودان.. من العداء إلى التقارب المشروط

30-9-2020 | 14:48

شهدت العلاقات الأمريكية السودانية حالات من الشد والجذب, خاصة فى الفترة ما بين 1993 و2017 حيث اتسمت بالعداء والتباعد وتبنى واشنطن لسياسة العصا تجاه الخرطوم, عبر استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ووضع السودان ضمن التصنيف الأمريكى للدول الراعية للإرهاب فى عام 1993, هو ما نتج عنه خسائر اقتصادية ضخمة قدرت بـ400 مليار دولار تحملها الشعب السودانى نتيجة لممارسات النظام السابق بقيادة عمر البشير, والتى دفعت أمريكا لفرض موجات عديدة من العقوبات إما بسبب تبنى ودعم نظام البشير للإرهاب والتنظيمات المتشددة ومنها تنظيم القاعدة, واتهامه بالتورط فى تفجيرات سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا عام 1998 وكذلك تفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول، أمام سواحل عدن باليمن عام 2000, وإما بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التى ارتكبها النظام فى دارفور والنيل الأزرق وغيرهما.

العقوبات الأمريكية ووضع السودان فى قائمة الدول الراعية للإرهاب جعلته فى عزلة دولية وإفريقية وهروب الاستثمارات الأجنبية وعزوف الشركات العالمية عن الاستثمار فى البلاد ورفض المؤسسات الاقتصادية الدولية مساعدة السودان وإقراضه, هو ما نتج عنه تدهور الأوضاع الاقتصادية وتدنى مستوى معيشة المواطنين, الذين يعيش 50% منهم (15 مليون نسمة) تحت خط الفقر. غير أن مسار العلاقات بين البلدين أخذ فى التحول نحو التقارب مع مطلع عام 2017 فى عهد أوباما ورفع الولايات المتحدة جزئيا العقوبات الاقتصادية عن السودان, ثم قام الرئيس ترامب فى أكتوبر من نفس العام برفع كامل ونهائى للعقوبات الاقتصادية بعد اعتراف واشنطن بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة الخرطوم للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع بالسودان، وتعاونها مع الولايات المتحدة فى معالجة الأزمات الإقليمية ومكافحة الإرهاب. وجاء التحول المهم فى العلاقات بعد الثورة السودانية وإسقاط نظام البشير فى عام 2019 حيث أعادت أمريكا والسودان العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انقطاع دام 23 عاما, وأخذت العلاقات الاقتصادية نشاطا ملحوظا نتيجة لتزايد استثمارات الشركات الأمريكية فى السودان, وقد أسهم ذلك فى عودة السودان لكن ظلت قضية وضع السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب إحدى القضايا العالقة بين البلدين, ففى الوقت الذى أشارت فيه الإدارة الأمريكية, سواء البيت الأبيض أو وزارة الخارجية, إلى نيتها فى رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للإرهاب, إلا انه عمليا هناك تحديات عديدة, أبرزها سياسية تتمثل فى رغبة واشنطن فى الربط بين تلك الخطوة وقيام الحكومة الانتقالية السودانية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل, وهو ما ردت عليه الحكومة الانتقالية بأنها لا تملك الصلاحيات وفق الوثيقة الدستورية لاتخاذ مثل تلك الخطوة, وتأجيلها لما بعد انتخاب حكومة جديدة, أو تحديات قانونية تتمثل فى ضرورة موافقة الكونجرس الأمريكى على رفع العقوبات وكذلك ضرورة إقراره لقانون تحت مسمى رد الحصانة السيادية للسودان, لكى يمكن رفع العقوبات, لكن هذا القانون يخضع لاعتبارات انتخابية ورغم تفاهم البلدين على أن يدفع السودان 330 مليون دولار كتعويضات لضحايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين فى نيروبى ودار السلام إضافة لضحايا المدمرة الأمريكية, إلا أن تلك الخطوة ستظل ورقة ضغط أمريكية تجاه الحكومة السودانية سواء فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل أو التوافق مع السياسة الأمريكية خاصة فى القضايا الإقليمية.

فالسودان يمثل أهمية إستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة بسبب موقعه الجغرافى فى منطقة القرن الإفريقي ودوره فى التعاون مع واشنطن فى مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المتشددة مثل داعش وتنظيم القاعدة فى شمال المغرب العربى وشباب المجاهدين فى الصومال وغيرها. وقد شهدت العلاقات بينهما تعاونا ملموسا فى مكافحة الإرهاب, ومنها تبادل المعلومات الاستخباراتية حول العناصر المتطرفة. كذلك رغبة واشنطن فى بناء علاقات جيدة وقوية مع النظام الجديد فى السودان لتحجيم النفوذ الإيرانى فى منطقة البحر الأحمر والذى تمدد بشكل كبير فى عهد النظام السابق, إضافة إلى أهمية السودان الاقتصادية وموارده الطبيعية الضخمة سواء النفطية أو الزراعية والتى تجعله سوقا مهمة للاستثمارات الأمريكية وبوابة نحو إفريقيا لموازنة التغلغل الاقتصادى الصينى فى السودان والقارة السمراء. كذلك أهمية التعاون بينهما فى الأزمة الليبية لموازنة النفوذ الروسى المتزايد فى ليبيا. وفى المقابل يمثل تطور العلاقات مع أمريكا أهمية كبيرة للسودان, لأنه سيدفع نحو إنهاء عزلة السودان الدولية ورفع القيود الاقتصادية عنه وتدفق الاستثمارات الأجنبية خاصة الأمريكية, وهو ما يحتاجه السودان خلال المرحلة الانتقالية فى ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التى يواجهها وفاقمتها أزمة جائحة كورونا والفيضانات غير المسبوقة التى شهدتها البلاد أخيرا وزادت من معاناة الشعب السودانى الذى دفع ولايزال يدفع ثمن ممارسات النظام السابق داخليا وخارجيا.

المصالح السياسية والاقتصادية والواقعية السياسية هى الحاكمة للعلاقات الأمريكية السودانية, وتحويلها من العداء والتباعد إلى التقارب، لكنه يظل مشروطا برفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للإرهاب ورفع كل عقوبات الكونجرس على السودان وتطبيع علاقاته مع إسرائيل.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
بايدن والدور الأمريكي في الأزمة الليبية

فى مقاربة أمريكية جديدة تجاه الأزمة الليبية طلب القائم بأعمال المبعوث الأمريكى فى مجلس الأمن خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا فى تحول واضح للسياسة

خيارات إيران فى الرد على اغتيال زاده

خيارات إيران فى الرد على اغتيال زاده

بايدن ومدى التغير في السياسة الأمريكية تجاه إيران

تنفست إيران الصعداء مع هزيمة الرئيس ترامب فى الانتخابات وفوز المرشح الديمقراطى بايدن، انطلاقا من أن ترامب اتبع سياسة أقصى الضغوط عبر العقوبات تجاهها وتجاه

الشرق الأوسط بين ترامب وبايدن

تتسم الانتخابات الأمريكية 2020 بأهمية كبيرة ليس فقط داخليا بل أيضا عالمي، لما قد يترتب عليها من تداعيات مهمة على السياسة الخارجية الأمريكية خاصة تجاه منطقة

ترامب وبايدن.. أوراق القوة ونقاط الضعف

ترامب وبايدن.. أوراق القوة ونقاط الضعف

تركيا وسياسة خارجية تصادمية

تركيا وسياسة خارجية تصادمية

الخيارات الأمريكية في الضغط على إيران

تعد قضية الملف النووى الإيرانى مثالا واضحا على فشل مجلس الأمن الدولى فى أداء دوره فى حفظ السلم والأمن الدوليين وذلك بسبب اعتبارات غلبة المصالح على اعتبارات

نموذج الإمارات فى التنمية والسلام

نموذج الإمارات فى التنمية والسلام

الأكثر قراءة