Close ad

ذكرى ناصر.. ورحيل فريد خميس.. ود.القرعى

28-9-2020 | 15:57

لا يُحيِّرُنى كثيرا الموت، أو الرحيل عن الحياة الإنسانية، فهو مصير كل الأحياء، وكلنا يودع بعضنا بعضا، فى مسيرة طويلة للحياة. لكن عودت نفسى، منذ سنوات، أن أقف احتراما لحياة كل منا، وأن التقط من حياة معاصرينا، الذين يرحلون، قيمة ما كرَّسوه خلال حياتهم، أو أَتجهُ لاستشراف الصورة الكلية عنهم، لأعرف المغزى، وكنه الحياة، وكيف استفدنا من حياتهم نحن معاصروهم، خاصة إذا كانوا من الشخصيات العامة، أو الفكرية، وأصحاب المسئوليات الكبيرة، الذين لا يسعنا إلا أن نقدم لأرواحهم باقة ورد جزاء ما تركوه من الإرث المعنوى لمجتمعهم، وأهاليهم، وبنى وطنهم، إلى أن نصل لاستشراف قيمة الحياة، وتكريسها بين الناس، وزيادة الفاعلية، التى تكون بتكريم الراحلين، واحترام حياتهم الإنسانية.

واليوم تَلِحُ على ذهنى، وتَجول بخاطرى، 4 شخصيات عامة، فى مجالات متعددة، منهم من رحل منذ 5 عقود، ومازال حيا بيننا، وهو الرئيس جمال عبد الناصر، الذى تمر اليوم الذكرى الخمسون على رحيله المُدَّوِى، فى وقت كانت الأنظار تتجه إليه، وإلى قوته، فهو الرجل، أو الرئيس، الذى وقف ضد الهزيمة، وقرر تغييرها، وكانت صورته الأخيرة مناضلا فى ثياب النصر والبناء، وقام بإعداد الوطن للنصر، والثانى كان خليفته، والذى اختاره بكل وعى لإكمال هذه المهمة الثقيلة (أنور السادات)، والرئيسان أكملا مهمتهما معنا، ولم يكن لأحدهما أن يحافظ وحده على إرث الجمهورية دون الآخر، فناصر كان رمز القوة، لذا أحبه الشعب، وسار خلفه، والسادات كان رمز الدهاء والعقل، فخطط لتجاوز وإزالة آثار حرب 1967، وكان النصر فى 1973 حليفا لبطلى يوليو 1952 فى معركتى الاستنزاف والعبور إلى أكتوبر، ومازالت الثنائيات والمقارنات بينهما هى الطريق لإفساد العلاقة ومحور العمل المشترك بينهما فى الأعمال، وغياب الفكرة، وعدم التقاط الرؤية الشاملة للتجربة الصعبة، التى خاضتها مصر، منذ قيام الجمهورية فى الخمسينيات، لكن ناصر سيظل فى مُخيلتنا البطل، وأقوى، وأهم شخصية فى مصر والمنطقة طوال القرن العشرين، فهو والسادات- رحمهما الله- صنعا ملحمة النصر والسلام معا، وهما الطريق الذى سارت فيه منطقتنا العربية كلها بعد ذلك واليوم.

ولا أكاد أترك سيرة الراحلين حتى ودعنا هذا الأسبوع، أحد الرجال المهمين فى عالم الأعمال والصناعة (محمد فريد خميس)، وأحد رجال الأعمال المصريين الأفذاذ والمبدعين، الذين خلَّدوا أسماءهم فى سجل البنائين الكبار ( 1940- سبتمبر 2020)، وقد كانت حياته العملية (50 عاما) مثمرة، وعلامة على قدرة العصاميين المصريين، أو البنائين، على العمل، وتصدر المشهد الإنتاجى، فعلى مستوى صناعة الأعمال شكل فريد خميس ريادته فى قيام مؤسسة إنتاجية غزت العالم، وتعاملت مع الكبار (الصين وأمريكا) فى صناعة السجاد الميكانيكى، وأصبح رقم «واحد» عالميا، فى الجودة، والأذواق، والأهم أنه جسَّد الحضارة المصرية القديمة على منتجاته من السجاد، فأصبح سفيرا للإنتاج المصرى المعاصر، ورسالة للحضارة القديمة، التى تتجدد بأبنائها عبر الأزمان، فعشق الصناعة، وأحب الصناعيين، حتى أصبح شيخهم، بل رمزهم المعبر منذ الستينيات وحتى رحيله بالأمس القريب، وإننى أتطلع أن تستمر ريادة أعماله بعد رحيله، وقد كانت له إسهاماته فى مجال التعليم، فذهب إلى بريطانيا، ونقل تجربتها فى جامعة مصرية- بريطانية، ليتعلم أبناؤنا بمستويات عالمية، وعلى النمط الأوروبى، ولعلنا لا ننسى إسهاماته، أيضا، فى مجال المسئولية الاجتماعية، ورعاية العاملين، والمنطقة التى يعيش فيها، فاحتل، لسنوات طويلة، الريادة فى هذا المجال، وأصبح قدوة للآخرين، إنه، ببساطة، كان نموذجا لأجيال رجال الأعمال المصريين فى المرحلة الثانية، بعد تجربة مصر فى الأربعينيات، بقيادة طلعت حرب. إننى أعتقد أن التجربة الحديثة فى البناء، عندما يُؤرخ لها، سيكون اسم محمد فريد خميس فى المقدمة، أقول ذلك لأننى أدرك، كما قال الراحل إبراهيم شحاتة، الاقتصادى المصرى البارز، فى كتابه وصيتى لوطنى: أن صناعة السلع والخدمات يجب أن تكون مسئولية رجال الأعمال، أو (Pioneers)، وليس الحكومات، أو المؤسسات العامة، وهذا تقسيم العمل الاقتصادى الأمثل للمجتمع.

كما رحل عنا، هذا الأسبوع، صديق عزيز لا يمكن إلا أن أذكره بكثير من الاحترام والتقدير، وقد تعاملت معه فى الأهرام، وكان نموذجا للأهرامى البار، إنه الدكتور أحمد يوسف القرعى، أحد الكتاب المصريين البارزين، الذين عبَّروا عن مؤسسة الأهرام خير تعبير، فهو الكاتب الذى يكتب للقارئ والوطن أولا وأخيرا، ولا يبحث عن نجومية، أو حب ظهور، وقد عملت معه لسنوات طويلة، وأرى أن الدكتور القرعى أحد المؤسسين لصفحات «قضايا وآراء» التى نكتب فيها الآن، والتى تجمع بين رصانة العلم والبحث العلمى والصحافة، والتى تعتبر من أفضل صفحات الرأى فى الصحف، ليس المصرية فقط، بل العربية كلها، وترقى إلى المستوى العالمى. لقد تعامل الدكتور أحمد يوسف القرعى (1940- سبتمبر 2020) مع الأفذاد من عمالقة وخبراء السياسة، والفكر الإستراتيجى، أمثال الدكتور بطرس غالى، وعبدالملك عودة.. وغيرهما، الذين أنشأوا المجلات والدوريات المتخصصة فى عالم السياسة، ومراكز البحث والدراسات فى مؤسستنا العريقة، وجعلوا مصر منارة الفكر، بل مركزه الإستراتيجى والسياسى فى المنطقة العربية، واستطاع الدكتور القرعى أن يجمع حوله الخبراء فى كل شئون الاقتصاد، والسياسة، والفكر الإستراتيجى، وكان الكل يثق فيه، ويسلمه منتجه، أو مقالاته، سواء فى السياسة الدولية، أو الأهرام، وهو يعرف أنه الأمين على الفكرة، وعلى جودة الصحيفة، وتنوعها، فاكتسب ثقة الخبراء، وحب الصحفيين، وتطلعهم إلى أن يعملوا بلغة وفكر المتخصصين والعلماء. رحم الله الدكتور القرعى الأهرامى، والمفكر البارز، والإنسان المثقف، والخبير، والممتلئ ثقة بعلمه، والذى لم يغتر أبدا، وظل حتى رحيله يدقق بحثا عن الحقيقة والمعرفة عبر الكتب والمجلات. إننى تذكرت الراحلين الأقدمين (ناصر والسادات)، والذين غادرونا قبل أيام، لكى أقول إن الحياة والموت يعيشان معا فى مسيرة واحدة ألا وهى الحياة، وأن الانتقال، أو الرحيل، لا يعنى الغياب، أو الموت، كما نعرف، فهو واحد اسمه الحياة أيضا.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
إجبار إسرائيل على التوقف

الحرب يجب أن تنتهى الآن فى غزة، خصوصا عندما تصل إلى المربع الأخير، أصبح كل فريق على أرض المعركة فى غزة، وخان يونس، وأخيرا رفح، عليه أن يعيد حساباته، والنظر

في ظلال الذكرى والطوفان

رحلة الإسراء والمعراج فى وجدان كل مسلم. وفى ظلال الأزمة الطاحنة التي تعيشها منطقتنا، جددت حرب طوفان الأقصى ولهيبها على أبناء غزة وأطفالها ذكرى هذا الحدث