لا تقتصر حرب اليمين الأوروبى المتطرف ضد الإسلام على الحاضر فقط، من خلال منع قدوم المسلمين وحرق الأرض تحت أقدام المهاجرين لإجبارهم على العودة لبلادهم. هناك حرب أخطر، ميدانها الذاكرة والتراث بهدف نزع كل فضيلة وميزة للحضارة الإسلامية.
اليمين الأوروبى فى حالة إنكار لكل ما يمت للإسلام بصلة. يعمل جاهدا لاستبعاد التراث العربى والإسلامى من الذاكرة الأوروبية. ينأى اليمين عن هذه الديون الثقافية، بل يلجأ لتحويلها لديون مستحقة لمصلحته. فى مقابل هذا الجحود، لم يعدم الأوروبيون من يظهر من بينهم، للتذكير بأن التاريخ لا يمكن تزويره، وأن على كل منكر أن يكلف نفسه فقط بزيارة أقرب مكتبة أو كنيسة أثرية ليدرك كم هو مخطئ. المؤرخة البريطانية ديانا دارك، أصدرت الشهر الماضى كتابا بعنوان: السرقة من المسلمين..كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا. كشفت فيه أن العمارة القوطية فخر أوروبا، تحمل بصمات إسلامية عديدة. الأبراج والنوافذ والأقواس المدببة والزجاج الملون والأقبية المضلعة المميزة لهذه العمارة مستمدة من المساجد والمآذن والأروقة.
وتقول: الأوروبيون قلدوا المبانى التى أغاروا عليها خلال الحروب الصليبية.. البرابرة الحقيقيون هم الصليبيون الذين نهبوا وقتلوا، وهم بطريقهم للمنطقة العربية. حسب دارك المستعربة التى أقامت 30 عاما بدمشق، التأثير الإسلامى يرجع لما قبل ذلك، وتحديدا لفترة ازدهار الحضارة الإسلامية. فعقب انهيار روما بالقرن الخامس الميلادى، نشأت المراكز الحضارية المتسامحة والمنفتحة على العالم خاصة ببغداد، ثم انتقلت عبر الأندلس وإيطاليا، فى وقت كانت أوروبا تغط بالظلام.
تأثير العمارة الإسلامية ستجده فى كاتدرائية القديس بول بلندن وكنيسة نوتردام بباريس والمستوحى شكلها المعمارى من كنيسة قلب لوزة الأثرية السورية، بل إن برج بيج بن الشهير، مستوحى من برجى الجامع الكبير فى حلب، للدرجة التى جعلت المعمارى الإنجليزى الأشهر كريستوفر رين( 1632ـ1723)، يقول: العمارة القوطية يجب تسميتها عمارة المسلمين.
ومن أسف، أن معظم هذه الآثار العظيمة التى استوحى الغرب منها كنائسه وكاتدرائياته تتعرض للدمار، إن لم تكن قد سويت بالأرض، نتيجة الحرب بسوريا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نقلا عن صحيفة الأهرام