Close ad

التفوق العسكرى النوعي وحصانة السلام

8-9-2020 | 11:55

تكشف ردود الفعل الإسرائيلية العصبية عن ما جرى تسريبه من معلومات بخصوص وجود بنود سرية فيما يسمى «اتفاق السلام» بين الإمارات وإسرائيل من بينها تعهد الولايات المتحدة بإمداد دولة الإمارات بكمية كبيرة من الأسلحة الأمريكية المتطورة، إلى أى مدى يعيش كيان الاحتلال الإسرائيلى «خطر تهديد وجوده».

أسئلة كثيرة تترتب على هذا الإدراك الذى تكشف، عفوياً، بقوة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. من أبرز هذه الأسئلة: هل بمقدور إسرائيل أن تكون دولة حماية لغيرها من الدول فى المنطقة؟ هذا السؤال يترتب على سؤال آخر هو: هل تستطيع إسرائيل منفردة أن تحمى أمنها؟ بمعنى آخر هل إسرائيل تستطيع أن تكون إسرائيل، بكل ما يعنيه هذا الاسم، دون أن تكون «محمية أمريكية». هذان السؤالان يفجران أسئلة أخرى كثيرة مستقبلية تتعلق بمستقبل توازن القوى الإقليمى خاصة بين إسرائيل وكل من إيران وتركيا فى حال حدوث تحول فى أولوية إقليم الشرق الأوسط بالنسبة للإستراتيجية الكونية الأمريكية، ومن ثم وزن إسرائيل ضمن مجمل المصالح الأمريكية الإستراتيجية.

ولهذا السبب يعمل الإسرائيليون، بكل جدية للحيلولة دون حدوث أى اهتزاز، ولو محدود، فى مكانة إسرائيل ضمن أولويات السياسة الأمريكية والتزاماتها، ويعملون ثانياً من أجل تأسيس روابط تحالفية موازية مع القوى العالمية الصاعدة خاصة الصين وروسيا لتكون رديفاً للقوة الأمريكية فى حال حدوث أى تراجع فى الالتزامات الأمريكية نحو إسرائيل، ويعملون ثالثاً على امتلاك القوة المتفوقة القادرة على الردع المطلق، وهنا يتبين أهمية وحرص إسرائيل على أن تمتلك منفردة، دون غيرها من الدول الشرق أوسطية، السلاح النووى، باعتباره الورقة الأخيرة للدفاع عن وجودها ضد أى خطر يتهدد هذا الوجود. وإلى جانب التفرد بامتلاك السلاح النووى يحرص الإسرائيليون على امتلاك التفوق النوعى فى التسلح ضد كل الدول العربية مجتمعة. هذا التفوق النوعى حصلت عليه إسرائيل ليس فقط بضمانة أمريكية ولكن بقانون أمريكى يفرض على الولايات المتحدة أن تحافظ على إمداد إسرائيل بكل الأسلحة التى تجعلها متفوقة عسكرياً على كل الدول العربية. ضمن هذا كله جاء الذعر الإسرائيلى من تسريبات وجود وعود أمريكية لبيع الإمارات أسلحة متطورة من بينها طائرات «اف- 35» التي تحظر إسرائيل على الولايات المتحدة بيعها لأى من الدول العربية حفاظاً على التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي.

وكان المؤتمر الصحفى الذى جمع مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى فى القدس المحتلة (24/8/2020) مع بنيامين نيتانياهو فرصة ليؤكد نيتانياهو للرأي العام الإسرائيلى وفى وجود بومبيو أن «الصفقة مع الإمارات لم تشمل قبول إسرائيل بأى صفقة أسلحة». وقبل ذلك بأربعة أيام (20/8/2020) أصدر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بياناً مفصلاً أكد فيه أن اتفاق التطبيع مع الإمارات لا يشمل بيعها مقاتلات «إف ــ 35» ولا يتضمن أى صفقات عسكرية معها، وجاء فى البيان «لقد أكدت الولايات المتحدة لإسرائيل التزامها بالحفاظ على التفوق النوعى (العسكرى) لإسرائيل»، لكن يبدو أن الوعود الأمريكية للإمارات صحيحة، لكنها وعود فى إطار الالتزام الأمريكي بالحفاظ على التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي.

جاء ذلك أولاً على لسان ديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة لدى الكيان الإسرائيلى الذى أدلى بتصريحات مهمة لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أكد فيها أمرين، الأول «أن أى صفقة مستقبلية للأسلحة المتقدمة للإمارات بما فى ذلك مقاتلات (اف- 35) ستكون مشروطة بضمان التفوق العسكري لإسرائيل» والثانى، أن «الولايات المتحدة ستضمن احتفاظ إسرائيل بتفوقها العسكري في المنطقة إذا حدث أن بيعت طائرات (إف- 35) الأمريكية للإمارات».

وجاء المعنى نفسه على لسان وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى لقائه مع نيتانياهو في القدس المحتلة (24/8/2020) فمن ناحية حفظ للإمارات «حقها فى الدفاع عن نفسها ضد إيران » فى إشارة إلى أن إيران وليست إسرائيل ستكون المستهدفة بهذه الأسلحة، ومؤكداً أن ذلك «سيكون ضمن المحافظة على التزاماتنا تجاه إسرائيل». وقال بوضوح شديد «لدى الولايات المتحدة التزام قانونى فيما يتعلق بالتفوق النوعي العسكري لإسرائيل، وسنواصل احترام ذلك».

هذه الطمأنة الأمريكية تكشف حقيقتين الأولى أن ما يسمى «الأمن الإسرائيلى» سيصبح وهماً دون التعهدات والضمانات الأمريكية. فالتفوق الذى تتباهى به إسرائيل ليس تفوقاً إسرائيلياً ولكنه التزام أمريكي، ولعل ما حدث فى حرب أكتوبر 1973 ما يؤكد ذلك، وهو أنه «لولا التدخل العسكرى الأمريكى المباشر لتعرضت إسرائيل لهزيمتها التاريخية»، الثانية أن هذا التفوق يجري تسويقه إسرائيلياً وأمريكياً لردع الإرادة العربية وفرض المشروع الإسرائيلى للسلام، أو ما بات يعرف بـ «مبدأ نيتانياهو» الذي يقول بـ «السلام مقابل السلام وليس السلام مقابل الأرض».

من هنا جاءت إجابة الجنرال عاموس جلعاد الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عن سؤال: لماذا تحرص إسرائيل على التفوق النوعى؟ وكانت إجابته أنه «كلما حافظت إسرائيل على تفوقها النوعى، يتعمق الاستقرار وتتعمق حصانة السلام» وهذا ما حرص مايك بومبيو على تأكيده فى إشادته بصفقة «السلام» بين الإمارات وإسرائيل بقوله إن «هذا الاتفاق يثبت أن المنطقة تتغير» وأن الدول العربية «باتت تعرف أن إسرائيل باقية هنا ومن الطبيعى أن تتعامل معها».

هل ما يراه الجنرال جلعاد والوزير بومبيو يمكن أن يكون بمنزلة «الحقيقة الأقرب إلى الوهم»؟ الإجابة تقودنا إلى البحث فى الجانب الآخر من المعادلة، أى الجانب الذى لا تستطيع فيه الولايات المتحدة تأمين التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي على دول ليس لواشنطن دور فى تسليحها، سواء كانت تعتمد على نفسها فى التسليح، أو تحصل من مصادر دولية أخرى، على الأسلحة القادرة على كسر هذا التفوق النوعي الإسرائيلي.

ولعل هذا ما يفسر خشية الأمريكيين والإسرائيليين من حدوث اختلال فى توازن القوى الإقليمي لغير مصلحة إسرائيل وكسر معادلة التفوق النوعى العسكرى الإسرائيلى ومن ثم دحض طموح الإسرائيليين في حصانة السلام الذي يأملونه لسبب بسيط أنه سيبقى سلاماً دون حصانة.

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مفاوضات اصطياد إيران .. الفرص والمخاطر

يعتبر اليوم الثلاثاء (23 فبراير 2021) يوما فارقا بالنسبة لمسارات حل أو تأجيج الأزمة المتفجرة هذه الأيام حول الاتفاق النووى الذى وقعته «مجموعة دول 5+1»

خيار «الدبلوماسية المبدئية» اختبار لإدارة بايدن

فى أوج التصعيد المتبادل بين إيران من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة من جهة أخرى دفعت واشنطن بموقفين متناقضين بخصوص كيفية حل معضلة الأزمة المتفجرة حول الملف النووي الإيراني.

عقبات أمام الوساطة الأوروبية

يبدو أن إيران أدركت وجود عوائق كبيرة وحسابات معقدة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووى الذى انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد