لماذا يصدق الناس من يقوم بخداعهم ويضللهم ويضحك عليهم، هل يحدث ذلك نتيجة غباء فطري أم أنهم ونتيجة "الغباء الجماعي" أصبحوا يتفننون في الجري وراء أية أفكار غريبة وغير معتادة دون أدنى تفكير وكأن العقول قد أخذت إجازة مفتوحة.
هذا الموضوع يذكرني بحكاية قديمة من التراث عن "دجال" ذهب إلى إحدى القرى فاجتمع الناس حوله يشترون بضاعته الغريبة وكانت سلعته تزداد رواجًا يومًا بعد الآخر.
وذات يوم زار هذه القرية رجل "حكيم" فأدهشه إقبال الناس على الدجال، وسألهم عن سبب الزحام الشديد حوله فأخبروه أنه يقوم ببيع قطع من أراضي الجنة ويمنح سندات تمليك بذلك، وبالتالي فإن من يموت ومعه هذا السند يدخل الجنة على الفور؛ ليسكن في قطعة الأرض بموجب السند الذي معه.
احتار الحكيم في كيفية إقناع هذا الكم الهائل من الناس بعدم صدق ما يقوله الدجال، وأن الذين اشتروا أراضي بالجنة قد اشتروا "الوهم"، كما فعل الفنان الراحل إسماعيل ياسين حينما اشترى "العتبة الخضراء" في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم.
وبعد تفكير طويل اهتدى الحكيم إلى حل عبقري؛ حيث ذهب إلى الدجال وقال له: كم سعر القطعة في الجنة؟ فأخبره أن ثمنها 100 دينار، فقال له: وإذا أردت أن أشتري منك قطعة في "جهنم" فاستغرب الدجال من هذا الطلب، وقال له: خذها بدون مقابل، فقال الحكيم: أريدها بثمن أدفعه لك وتعطيني سندًا بذلك، فقال له: سأعطيك ربع جهنم بـ 100 دينار.. وهو سعر قطعة واحدة في الجنة!!
فقال له الحكيم: أريد شراء جهنم بالكامل وقام بالفعل بدفع 400 دينار وطلب منه تحرير سند بذلك، وتعمد أن يشهد عليه عدد كبير من الناس.
وبعدها خرج الحكيم إلى الشارع وأخذ ينادي بأعلى صوته: أيها الناس لقد اشتريت جهنم كلها.. ولن أسمح لأي شخص منكم بدخولها؛ لأنها صارت ملكي بموجب هذا السند، أما أنتم فلم يتبق لكم إلا الجنة، وليس لكم من سكن غيرها؛ سواء اشتريتم قطعًا فيها أم لم تشتروا.
عند ذلك تفرق الناس من حول الدجال؛ لأنهم ضمنوا عدم دخول النار التي اشتراها الحكيم بالكامل.. فأدرك الدجال أنه أغبى من هؤلاء الذين صدقوه.
انتهت الحكاية.. ولكن السؤال الذي ما زال يحيرني: ما دام أن الناس الذين صدقوا حكاية بيع أراضي "الجنة" هم أنفسهم الذين صدقوا أكذوبة بيع أراضي "جهنم"، فهل هم في هذه الحالة يستحقون هذا المعروف الذي قدمه لهم الحكيم، أم أنه كان من الأفضل أن يتركهم يعيشون هكذا تحت رحمة "الدجال" عقابًا لهم على هذا الغباء الذي يفوق كثيرًا غباء "هاني رمزي" في فيلمه الشهير "غبي منه فيه"..