بسم الله الرحمن الرحيم .."فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ".. صدق الله العظيم
إذا كان هذا هو حال النساء عندما خرج عليهن سيدنا يوسف عليه السلام مرة واحدة، إكبار وإجلال وانبهار، انفصال عن العالم المحسوس ودوران بلا وعي ودون توقف في فلك هذا الجمال دقيق الصنعة شديد الإتقان، ليصل الحال إلى غيبوبة كاملة، فيقطعن أيديهن دون شعور.
إذا كان الأمر كذلك، فما هو حالك يا "زليخة" وقد نشأ وكبر هذا "الملك الكريم" أمام عينيك، ما حالك وأنت ترينه يزداد جمالًا وبريقًا وتألقًا يومًا بعد يوم منذ كان طفلًا ثم فتى يافعًا ثم شابًا ناضجًا أوتي حكم وعلم من الله ليزداد إلى جانب جمال الخلقة، جمال الخُلُق والوقار والمكانة والهيبة بين أقرانه.
إذا كانت النساء قد قطعن أيديهن لرؤيته مرة واحدة واتخذن القرار فورًا أنه ليس من بني البشر الذين نعرفهم، لكنه ملك كريم ينتمي إلى ملائكة السماء، فكم مرة وإلى كم قطعة تقطع قلبك يا زليخة في حبه الذي انطلقت سهامه من كل صوب نحو قلبك بكل ما أوتيت من قوة لتستقر به إلى أجل غير مسمى.
أي قلب تمتلكين حتى يتحمل ذلك الاختبار فيذوب عشقًا ويحترق شوقًا بهذا القدر؟ كيف تحمل قلبك كل هذا؟ إن أبوه النبي لم يتحمل فراقه وذاب فؤاده شوقًا إليه وبكاه حتى ابيضت عيناه من الحزن وفقد بصره، وظل يشكو حزنه وبثه إلى الله.
أعلم أنك كنتِ على يقين أن النساء سوف يحدث لهن ما حدث؛ لذلك جهزت لكل واحدة منهن سكينًا! لكن كيف كان لكِ لتعلمي أن النساء سوف يقطعن أيديهن لمجرد رؤيته، إذا لم يكن قلبك قد تقطع حبًا وعشقًا له مرات ومرات.
ألتمس لك كل العذر، فما لقلبك المسكين أمام نفحة ربانية ألقاها الله سبحانه وتعالى على يوسف الصديق، لمسة إلهية تتجلى على وجه الكريم ابن الأكرمين ليؤتى شطر الجمال، ويكون ذلك من نصيبك يا زليخة تعايشينه وترينه ويتعلق به قلبك الضعيف، تتعلقين به حبًا وغرامًا لجماله وحسنه وخلقه وعلمه، لكن لعمري ما حالك إذا أدركت أن حبك وعشقك لهذا الجمال الذى خلقه الله سبحانه وتعالى قليل قليل ، وأن الحب والعشق كله يجب أن تكنه زليخه لخالق هذا الجمال نفسه، إذا انكشف حجاب عينيك ورأيتِ هذا الكون وأدركت أنه بكل ما فيه ما
هو إلا انعكاس لعظمة وجمال الخالق سبحانه وتعالى، فما بالك بجمال الخالق نفسه، وكيف يجب أن نحبه ونعشقه حق قدره، إذا كان قلبك يا زليخه قد ذاب وذبل أمام جمال يوسف المخلوق الفاني، فماذا أنت فاعلة أمام الخالق الباقي كامل الجمال؟
لطالما تذكرتك وتساءلت عن حالك إذا قدر الله لك دخول الجنة، ماذا يمكن أن تكون أمنيتك ورجاءك في الجنة؟ بالتأكيد سوف تطلبين القرب من يوسف، كان هذا يقيني قبل أن أدرك أن قلبك كان يبحث دون وعي عما وراء هذا الجمال، وإلا فأين كانت باقي القلوب التي رأت يوسف؟ ولماذا لم تر ما رأيتِ ولم تحترق شوقًا كما احترقت؟ فإذا كان مقامك فى الجنة فما بالنا عندما ترى عيناكِ ما كان يبحث عنه قلبك، الجمال الحق اللامتناهي هو جمال الله سبحانه وتعالى.
أخبريني عن حالك يا زليخة: هل مازال حب يوسف هو ما يملك عقلك وقلبك؟ أم اهتديت إلى طريق آخر وجدتِ فيه عشقًا أكبر للمعشوق الحق الذي يجب أن يذوب قلبك في حبه؟ هل مازال قلبكِ يتقطع حبًا ليوسف؟ هل رأيتِ الحقيقة؟!