Close ad
19-8-2020 | 14:58

ليس خافيا على أحد أن العالم يمر الآن بثورة علمية وتكنولوجية جامحة، ولا يخفي على المصريين أننا تأخرنا في اللحاق بالثورتين الصناعيتين الأولي والثانية وعندما جاءتنا الثالثة اكتفينا بالدهشة والانبهار، وحينما جاءت الرابعة بدا العالم ميئوسا اللحاق به. الآن فإننا نحاول اللحاق بكل ذلك من خلال بنية أساسية متطورة ظهرت في طرق وأنفاق ومدن ومحطات طاقة، مع تحديث البنية الاجتماعية والصحية في البلاد بأشكال متقدمة. وحتى لا تفاجئنا ثورة أخري خامسة كما هو في المنظور الآن، فإن البنية الأساسية للتعامل مع كل ذلك تقوم على ثلاث أرجل: رقمنة الدولة وتحديث جهازها الإداري، وثورة تعليمية تنتج التفكير السليم والابتكار، وبنية أساسية واسعة للبحث العلمي والتكنولوجي. وفي هذه البنية الأخيرة توجد الجامعات، وفي المقدمة منها جامعات البحث العلمي حيث توجد جامعة النيل التي رغم أنها تقوم بذات المهمة التي تقوم بها الجامعات الأخرى في تعليم الأجيال الجديدة، فإن مجالها الأساسي هو البحث العلمي وتخريج أجيال جديدة من الباحثين القادرين على الإبداع والابتكار على غرار تلك الموجودة في الولايات المتحدة من أمثال معهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT. وبدأت فكرة الجامعة بمبادرة من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بهدف إنشاء جامعة بحثية مصرية متخصصة تسهم في وضع مصر على الخريطة العالمية للبحث العلمي ولإنتاج التكنولوجيا المتطورة التي تمكن قطاع الاتصالات والمعلومات المصري من المنافسة العالمية. وتم تأسيس جامعة النيل عام 2006 كجامعة خاصة لا تهدف إلى الربح؛ وتولى تأسيسها جمعية أهلية خاضعة لأحكام قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية تحت مسمى المؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجي.

ورغم أن الجامعة بدأت في عام 2006 فإنها عمليا لم تأخذ كامل قوة اندفاعها إلا في عام 2018، وعلى مدي اثني عشر عاما جري النزاع بين الجامعة وجامعة زويل، والتي من عجب كانت هي الأخرى منوطا بها المساهمة في بناء البنية الأساسية للبحث العلمي في مصر. وجري التنازع بين الجامعتين على الأرض والمباني والمعامل التي كانت مخصصة من قبل الحكومة لجامعة النيل، وتم إصدار قرار بنقل تلك الأصول إلى صندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة الوزراء لمصلحة مشروع مدينة زويل. وبدأ النزاع بعد أيام قليلة من تنحي الرئيس مبارك، وبدأت سلسلة من المنازعات حول درجات مختلفة من التقاضي، وفي جلسة 24/4/2013 حكمت المحكمة الإدارية العليا برفض طعون جامعة زويل والحكومة وبوقف جميع القرارات، وعادت لجامعة النيل كل حقوقها المتمثلة في كل الأرض والمباني والتجهيزات وتحويلها إلى جامعة أهلية. وللأسف لم تنته القصة القضائية عند هذا الحد، وإنما كان لها فصول أخري لم تنته إلا بعد أن أصبح هناك مقر ومستقر آخر لجامعة زويل، وأصبح من الممكن لجامعة النيل أن تمارس عملها الذي نشئت من أجله، وهو ما لم يتيسر إلا على مشارف عام 2018. ومع ما استغرقه النزاع من جهد وزمن، إلا أن الجامعة لم تقصر في إنجاز المهمة التي وضعها مؤسسوها.

من الناحية التعليمية أنشأت الجامعة كلية إدارة الأعمال، وكلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسب، وكلية الهندسة والعلوم التطبيقية، وكلية إدارة التكنولوجيا. وأكاديميا أنشأت الجامعة العديد من البرامج المتخصصة للماجستير في تخصصات جديدة بعضها ليس لها نظير في الجامعات المصرية، ويدرس بالجامعة 500 طالب مصرى في الدراسات العليا، ويدرس بالجامعة عدد 120 طالبا في مرحلة البكالوريوس. وتم ذلك من خلال رؤية تقوم على تعليم تنفيذي على مستوى عالمي من خلال القيادة وتوفير مركز لربط الأوساط الأكاديمية والأعمال والحكومة لتطوير قادة للثورة الصناعية الرابعة. ولعل هذه الأخيرة كانت مربط الفرس بالنسبة للجامعة حيث أسست ستة مراكز بحثية علي أعلي المستويات العلمية في العالم وهي: مركز الشبكات الذكية اللاسلكية، ومركز النانو تكنولوجي، ومركز أنظمة المواصلات الذكية، ومركز علم المعلومات، ومركز أنظمة النانو الإلكترونية المتكاملة، ومركز الإبداع والمبادرة والتنافسية. وكان حصاد هذا الجهد الأكاديمي والبحثي هو الحصول على مكانة متميزة بين الجامعات المصرية والعالمية سواء من حيث التصنيف أو الشبكات الاستشارية التي اندرجت فيها جامعة النيل داخل مصر وخارجها حتى باتت مطلبا للتعاون البحثي والأكاديمي من أرقي الجامعات، والتي يقع في مقدمتها الآن جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة.

هذه الإنجازات التي تمت في فترة زمنية قياسية مقاسة بالفترة التي أتيح للجامعة العمل بعيدا عن المنازعات القضائية والمزاحمة الفعلية، ما هي إلا مقدمة لمشروع مستقبلي ضخم للبحث العلمي استعدت له الجامعة من خلال توفير البنية الأساسية لعمل جامعة متكاملة على المساحة التي قررت لها وهي 127 فدانا تم بالفعل شغل 25 فدانا منها. هذا المشروع ممتد حتى عام 2027 لاستكمال احتياجات الجامعة وفقا لما خطط لها منذ البداية وفقا لأرقي المستويات العالمية، وفي المجالات الخاصة بالثورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة. المعضلة الآن أن هذا الحلم مهدد باسترداد ما قدره 72.5 فدان، أي أكثر من نصف المساحة المقدرة لتخطيط الجامعة، من قبل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بحجة منطقية فحواها انقضاء وقت التخصيص اللازم لإنشاء الجامعة وهو ما تريد الهيئة منه منع إهمال الأراضي المخصصة، أو تسقيعها للاستفادة من ارتفاع أسعارها. هذه القاعدة لا شك حيوية للتنمية في مصر ولكنها في حالة جامعة النيل لابد أن تأخذ في اعتبارها أولا المسار التاريخي لتسليم الأرض والجامعة للذين تولوا أمرها والذي لم يتح لهم سوي فترة قصيرة للبناء والإنجاز؛ وثانيها أن ما فعلته الجامعة غير القائمة علي الربح خلال فترة تمكينها هو مبهر بكل المقاييس كما ونوعا؛ وثالثها إن الجامعة من هذا النوع لابد أن تكون محاسبتها ليس فقط علي أساس ما أنجزته وإنما أيضا خطتها المستقبلية للمساهمة في بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية المصرية وشبكاتها العالمية، وما تخرجه من كوادر ضرورية لتنفيذ رؤية مصر 2030. إن في هذا المقال دعوة لكل من يهمه الأمر في مصر لكي يعطي الجامعة الأرض والفرصة الزمنية اللازمة لتحقيق حلمها وحلمنا في وطن متقدم علميا وتكنولوجيا.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث