Close ad
23-8-2020 | 13:31

يرى جمال حمدان أنَّ علاقة مصر بالعرب علاقةٌ ضاربةٌ في جذور الزمن؛ فالسَّيِّدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام وأم سيدنا إسماعيل أبوالعرب مصرية، وهذا يثبتُ أن هذه العلاقة قديمةٌ قِدم التَّاريخ.
 
إنَّ مَوْقِعَ مِصر ودورَها التاريخيَّ يُشِيرانِ إلى قِيادةِ مصرَ للوطن العربيِّ ضرورة للجميع لأسبابٍ مُتعددة؛ منها أنَّ سكَّانها يمثِّلون نحو ربع سكَّانِ الوَطَنِ العربي، وأنَّ مِصر تمثِّلُ كتلةً بشريَّةً متجانسةً عِرْقِيًا ومَذْهَبِيًا واجتماعيًا، كما تضُمُّ مصرَ نَحْو 50% من القوى الناعمةِ في الوطنِ العربي، سواء من حيث علمائها في مختلف التخصصات، سواء من علماء الأزهر في علوم الدين أو غيره من العلوم، وأهل الطب والهندسة، وأهل الفنون والأدب والإعلام وغير ذلك من المجالات المختلفة.
 
كما تمثِّلُ مصرَ من حيثُ الموقع حلقَةَ الوصل بين الدول العربية في قارَّتي آسيا وإفريقيا، وتُعتبرُ القَاهرة عاصمةَ العرب عبر التَّاريخ، فهي تضمُّ ملايين العربِ المقيمين فيها؛ فهي الملجأ الآمنُ لكلِّ العربِ في كل الأوقات، وهي الوطن الثاني لكل عربي. 

إنَّ دور مصر وواجبها أن تقود أمتها ووطنها العربي حتى ينهض الجميع ويستفيد وتستقيم الأمور، وتكون الأمة في طليعة الأمم وتقوم الأمة العربية بدورها في نشر الحضارة والسلام في العالم.
 
يؤكِّد جمال حمدان أنَّ غِيَاب مصرَ عن القيادة يترتب عليه خسائر فادحة لمصر والعرب؛ لأنَّ قيادة مصر لأمَّتها يُعطيها وزنًا أكبر وقوة تُهاب وسط العالم، كما تحمي قيادة مصرَ للعرب من أطماع القوى الكبرى والمحيطة. 

أمَّا غيابُ مصر عن القيادة فيؤدي إلى تفكك العرب إلى دويلات، ويزيد من أطماع القوى الكبرى؛ سواء العالمية أو الإقليمية، في ثرواتنا العربية. 

إنَّ الصراع بين القوى الإقليمية على قيادة المنطقة، وخاصة إيران وتركيا وإسرائيل، وغياب مصر عن القيادة من شأنه أن يزيد من أطماع هذه القوى الإقليمية في المنطقة، وهذا يترتب عليه تراجع وخسائر كبيرة لمصر ولكل العرب؛ حيث يؤكِّدُ التاريخ المعاصر وجهة نظر مفكرنا الإستراتيجي جمال حمدان؛ حيث قادت مصرالستينيات وطنها والعالم الثالث لتحرير الأراضي ثم الثروات من المستعمرين.

ووقفت مصر ضد كل مشاريع الفوضى الخلاقة؛ حينما هدد عبدالكريم قاسم حاكم العراق باحتلال الكويت فمنعت العدوان، ووقفت مصر مع سوريا ضد تهديدات تركيا وأطماعها في سوريا، وضد أطماع شاه إيران في العراق، وغيرها من مشروعات الفوضى الخلاقة التي نجحت بعد غياب مصر عقبِ معاهدة كامب ديفيد وما ترتب عليها من أوضاع مؤلمة يعاني منها وطننا حتى الآن، كما استفادت مصر من وقوف العرب بجانبها منذ نكسة 67 إلى حرب 73 بمشاركة سوريا ودعم الجزائر والعراق وليبيا، ثم السعودية بوقف تصدير البترول.
 
ويتفق معظم علماء التاريخ والجغرافيا وغيرهم مع وجهة نظر أستاذنا جمال حمدان، ومنهم على سبيل المثال دكتور حسين مؤنس والدكتور سليمان حزين والدكتور ميلاد حنا؛ الذي وضَّح دور مصر في وطنها العربي بمثالٍ غاية في الدقة والتعبير، فهو يرى أن مصر هي عمود الخيمة الحديد القوي الذي يرفع الخيمة للأعلى؛ بحيث يستظل الجميع بظلها في راحة وأمان، وأنَّ الدول العربية هي أرواق الخيمة، فإذا غاب العمود أو سقط سقطت الخيمة وعانى الجميع، بل وأصبح الجميع بلا دور أو فائدة.
 
إنَّ في عودة العمود ليحمل الخيمة نفعٌ وقيمةٌ للجميع، وللأسف نعاني جميعًا الآن من ذلك الموقف؛ ومن زيادة التدخل الأجنبي الأمريكي والروسي إلى التركي والإيراني ثم الإسرائيلي في المنطقة وفي أراضي سوريا والعراق واليمن ولبنان؛ مما يزيد من خطورة الحاضر والمستقبل، فالدور الأمريكي يتراجع نتيجة انخفاض تكلفة استخراج البترول الصخري داخل أمريكا، وبالتالي لم تعد في حاجة للبترول العربي، مع تراجع الاقتصاد الأمريكي الكبير في صراعه مع الصين؛ مما يعني الانسحاب التدريجي المؤكَّد من المنطقة موجدًا فراغًا قويًا كبيرًا، فيحتدم التنافس على خلافة الهيمنة الأمريكية بين إيران وتركيا وإسرائيل، وأي بديلٍ عن عودة مصر للقيادة يعني انهيار عمود الخيمة والخيمة معًا، ومن المؤسف أنَّ هناك مؤشرات مزعجة تشير إلى اتباع سياسة الاحتماء باللصوص والأعداء لخلافة أمريكا في الاضطلاع بدَوْرِ الحماية، وهنا يَجِبُ التنبيه إلى أنه ليس هناك بديل عن عودة وقيادة مصر، وإلَّا فسنعاني لعقودٍ قادمةٍ من أسوأ الاحتمالات؛ لأنَّ الحلول المنفردة عواقبها وخيمة على الجميع، وتعني الفرقة والانفراد بكل دولة على حدة؛ مما يسهل السقوط السريع للجميع في النهاية،وعلينا جميعًا أن نُرْشِدَ إلى طريقِ الحقِّ وننيره، وإلا سوف يندم الجميع وقت لا ينفع الندم، ويصير مصيرنا مصير من الملكة "الزباء" التي قالت: "بيدي لا بيد عمرو".
 
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة