Close ad

مع المفكر الجزائرى محيى الدين عميمور العروبة تاريخ لن نفرط فيه

14-8-2020 | 17:48

كنت أعلم أن ما كتبته عن العروبة حلمنا الضائع والحقيقة الغائبة سوف يثير شجونا كثيرة لأن القضية لم تكن حدثا عابرا فى حياة أجيال كاملة ولكنها كانت رصيدا ضخما من الأحلام التى تحولت مع الواقع إلى أوهام أخذت معها أجمل أيام شبابنا.. فوجئت برد على ما كتبت من د.محيى الدين عميمور، وهو مثقف عربى جزائرى من طراز رفيع تاريخا وفكرا..

كتب مقالا فى صحيفة رأى اليوم.

< سوف أبدأ بحوار لن يطول مع د.عميمور وهو وزير سابق فى الجزائر ورمز من رموز الثورة الجزائرية العظيمة، وكان رفيقا للرئيس الجزائرى هوارى بومدين، وكلاهما كان يحمل مشروعا ثقافيا عربيا ترك أثارا عميقة على الحياة فى الجزائر..

< توقف د.عميمور عند نقطة مهمة أثرتها فى حديثى حول العروبة وما آلت إليه الفكرة والموقف والمشاعر، وقد اتفقنا أن هناك ما يشبه العتاب على الدول العربية الشقيقة حول موقفها من مصر والسودان فى قضية سد النهضة، وأن العالم العربى تخلى عن البلدين فى هذه الأزمة والعتاب هنا واجب وإن جاء متأخرا, لأن جزءاً كبيرا من الاستثمارات والأموال العربية شارك فى تمويل هذا السد، ولقد اتفق معى د.عميمور فى أن قضية سد النهضة كانت تحتاج إلى موقف عربى ليس فقط على المستوى الاقتصادى من حيث تمويل السد ولكن على المستوى السياسى فقد كان ينبغى أن تكون هناك قمة عربية وأن تشارك جامعة الدول العربية فى هذا الموقف.. وقد اقترحت أن تعيد الدول العربية التى شاركت بأموالها فى بناء هذا السد النظر فى مواقفها رغم أن الفرصة ضاعت..

< اتفق مع د.عميمور أن جامعة الدول العربية أحد رموز هذا الكيان التاريخى الذى يسمى العروبة تحتاج إلى وقفة من حيث الظروف والدور والمواقف..

فى حديث د.عميمور تأكيد على أن آخر عهدنا بالعروبة كان فى حرب أكتوبر73، وقد ذكر فى حديثه أسماء الزعماء العرب الذين كانوا وراء هذا الانجاز العظيم هوارى بومدين والملك فيصل وصدام حسين وزايد آل نهيان ومعمر القذافى وإن لم يذكر الجيوش التى حاربت والزعيم الذى تحمل مسئولية قرار الحرب وهو أنور السادات وجيش مصر الذى أعاد للأمة كرامتها والجيش السورى الذى دفع دماء أبنائه..

< إننى أتفق مع د.عميمور أن أكتوبر كانت آخر عهد العرب بالانجازات الكبرى وأن قضية العروبة قد انسحبت تماما من حياة العرب بعد هذا التوقيت..

< رغم أننى كنت واحدا من الذين رفضوا من البداية قضية السلام بين مصر وإسرائيل ومازلت، ولا أعتقد أن فى العمر متسع لكى أبنى مواقف وقناعات جديدة فإننى أختلف مع كتيبة من المثقفين والمفكرين العرب الذين يعتقدون أن الرئيس السادات ومعاهدة كامب ديفيد كانا وراء تفكك الصف العربى واختفاء ما كان يسمى العروبة إلا أن السادات رحل من زمن بعيد ولم يكن مسئولا عن كل ما أصاب العرب من النكبات والكوارث.. وهنا وبكل الأمانة يجب أن نتوقف عند كل الأحداث الكبرى والكوارث التى أطاحت بالأمة لكى يتحمل كل طرف مسئوليته.. إن قائمة الأحداث التى لحقت بالعرب ودمرت كل الثوابت والأحلام لم تكن جميعها بسبب كامب ديفيد وأنور السادات وموقف مصر رغم أننى ما زلت أرفض الاتفاقية وما ترتب عليها..

< إن الكوارث ولعل د.عميمور يتفق معى فى ذلك كانت أخطاء أرتكبها الحكام العرب أو شاركت فيها الشعوب أو كانت وراءها مؤامرات خارجية مشاركة أو تواطئا.. إن الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت 8 سنوات وشاركت فيها معظم الجيوش العربية ومات فيها 2 مليون إنسان ودفعت فيها دول الخليج مع العراق 400 مليار دولار ما بين خرائب الحرب وصفقات السلاح والدمار الذى لحق بالعراق وإيران معا ثم كانت المأساة الكبرى فى غزو العراق الكويت وبعد ذلك كان الاحتلال الأمريكى للعراق آخر فصول المأساة..

< إن الحرب الأهلية التى اشتعلت فى لبنان 16عاما ولم يخرج منها لبنان سالما حتى الآن فتحت أبوابا كثيرة للانقسامات بين أبناء الشعب اللبنانى ومازال لبنان يلملم جراحه حتى الآن وكان الانفجار الأخير آخر الكوارث التى لحقت بوطن من أجمل وأرقى الأوطان العربية..

< لا يمكن أن ننسى بداية مسلسل الحروب الأهلية وكانت الجزائر من أوائل الدول العربية التى عانت هذه الظاهرة حين خرج التيار الإسلامى يهدد كل مقومات الدولة الجزائرية بكل تراثها الفكرى والحضاري..

< قد يطول الحديث عن كل ما حدث بعد ذلك من اقتحام القوى الأجنبية الدول العربية والقضاء على قدراتها وجيوشها وإمكاناتها وبدأت فى الاستسلام دولة بعد أخري..

< كان انقسام الشعب الفلسطينى أخطر وأسوأ ما تعرضت له هذه الأمة ما بين فتح وحماس وغزة والسلطة حتى وصل الأمر إلى مواجهات عسكرية وحروب بين أبناء الشعب الواحد الذى انقسم على نفسه ومازال الجرح ينزف..

< لا نستطيع أن نتجاهل ظاهرة التوحش السياسى التى سيطرت على التيارات الإسلامية فى العالم العربي، وهى تيارات لها ثوابت فكرية ودينية تتعارض تماما مع ما كان يسمى العروبة أو القومية العربية وقد سيطرت هذه التيارات على جوانب كثيرة فى منظومة الفكر العربى ثقافة وحوارا ودينا و سياسة وفى ظاهرة الجماعات الإرهابية وتوابعها ما يؤكد ذلك..

< حتى الآن لا أحد منا يستطيع أن يأخذ موقفا حاسما من قضية ثورات الربيع العربى وهل كانت مؤامرة أو كانت ثورة أم كانت شيئا غامض الملامح لا أحد يعلم كيف ظهر وهل هناك أيادٍ خفية كانت وراء هذا البركان أم كان شيئا عابرا ومضي..

< وسط كل هذه المتغيرات لا نستطيع أن نتجاهل ما حدث فى مصر وقد ظلت سنوات تحافظ على دورها حتى لو تراجع وأصبح محدودا أمام حسابات جديدة غيرت ملامح العالم العربى ودفعت بقوى جديدة تحركها المصالح أمام حالة ضعف أصابت الأمة كلها.. لقد عاشت مصر تجربة مريرة وحاصرتها تيارات كثيرة ووصلت بها الأحوال إلى مواجهة طالت مع حشود الإرهاب فى سيناء واكتشف العالم العربى أن الإرهاب لم يكن فى دولة دون أخرى ولكنه اجتاح كل العواصم العربية تحركه أياد خفية وشريرة وصلت بنا إلى ما نحن فيه الآن..

< لا يمكن أن نتجاهل ما حدث للسودان ليصبح دولتين أو ما وصلت إليه الصراعات بل المعارك بين الدول العربية وما تعرضت له من مخاطر الاحتلال والحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية هل كانت مصر وراء ذلك كله وهل كان السادات وكامب ديفيد وراء كل هذه المآسي..

< الخلاصة عندى وإن أطلت أن حلم العروبة لم يكن مجرد فكرة راودت شعوبنا يوما ولكنه كان قضية أمة وواقع شعوب لم يكن حلما والدليل أن العروبة شيدت أجيالا وعقولا وحققت انتصارات شهد بها العالم كله وهذا يؤكد اننا الآن نبكى على حلم تحقق ولم يكن مجرد وهم عبر وأن شعوبنا فى يوم من الأيام عاشت هذا الحلم واقعا وحقيقة وإننا حين نتحدث الآن عن هذا الماضى فهو جزء من أعمارنا وحياتنا..

< إن السؤال الآن هل نتعامل مع العروبة الحلم أم الذكرى أم الأمل وهل يمكن فى يوم من الأيام أن نجد أجيالنا الجديدة وهى تعيش مثلنا هذا الأمل..

لقد سعدت كثيرا برد د.عميمور على مقالى فقد حرك فينا شجونا كثيرة وإن بقيت عندى نقطة أخيرة وهى موقف شعوبنا العربية وما أصابها من الكسل والتراخى بل وصل الحال إلى خصومات وخلافات بحيث أصبحنا نبحث عن كل ما يفرقنا رغم أن الذى يجمعنا كثير.. منذ سنوات ثارت حملة سخيفة عل مواقع التواصل الاجتماعى بين مصر والجزائر بسبب مباراة فى كرة القدم ويومها حدثت تجاوزات كثيرة على شاشات الصحف والفضائيات.. ولأننى عاشق قديم للجزائر الشعب والتاريخ والنضال كتبت قصيدة دعوت فيها إلى الترفع عن هذا الهزل وكان لها عنوانان.. أنا من سنين أحب الجزائر.. وتبقين يا مصر فوق الصغائر.. أدنت فيها ما حدث بين الشعبين الشقيقين..

< سوف تبقى قضية العروبة وإن غابت واحدة من أهم القضايا ليس لأنها أصبحت ذكرى أجيال، ولكن لأن واجب هذه الأجيال أن تنقل بعض إنجازات هذا الزمن حين استقلت الشعوب وناضلت من أجل مستقبل أفضل وقبل هذا كله فإن العروبة جزء من التاريخ ولا ينبغى أن نفرط فيه..

< تبقى بعد ذلك نقطة أخيرة أن الهوامش لا تغنى عن المتن ولن تكون بديلا عنه وحين أنسحب الكبار كان الفراغ السحيق الذى يعيشه العرب الآن.. وكانت نهاية حلم جميل عشناه يوما واقعا وحقيقة

شكرا مفكرنا الكبير وربما جمعتنا الأقدار يوما فى رحاب هذا الحلم الذى مازال يعيش فينا ويحلق بيننا ..

ويبقى الشعر

شهيدٌ على صدر سيناءَ يبكى

ويدعو شهيدًا بقلبِ الجزائـــرْ

تعالَ إلىَّ ففى القلب شكـــوى

وبين الجــــوانح حزنٌ يكـــَـابرْ

لماذا تهون دماءُ الرجــــــال ِ

ويخبو مع القهر عزمُ الضمائرْ

دماء توارت كنبض ِ القلوبِ

ليعلو عليها ضجيجُ الصغائــــرْ

إذا الفجرُ أصبح طيفـًا بعيــدًا

تـُباع الدماءُ بسوقِ الحناجـــــــرْ

على أرض ِ سيناءَ يعلو نــداءٌ

يُكبرُ للصبـــح ِ فوقَ المنابـــــــرْ

وفى ظلمةِ الليل ِ يغفو ضيـاءٌ

يجىءُ ويغدو..كألعــابِ ساحــــرْ

لماذا نسيتــم دماءَ الرجــــــــالِ

على وجهِ سينا.. وعين ِ الجزائرْ؟!

<<<<

على صدر سيناءَ يبكى شهيـــدٌ

وآخرُ يصرخُ فـــوقَ الجزائـــرْ

هنا كان بالأمسِ شعــبٌ يثـــورُ

وأرضُ تضجٌ..ومجــــــدٌ يفاخــــــرْ

هنا كان بالأمس ِ صوتُ الشهيدِ

يزلزلُ أرضًا..ويحمى المصائرْ

ينام الصغيرُ على نار حقــــــــد ٍ

فمن أرضعَ الطفلَ هذى الكبائرْ؟!

ومن علم الشعبَ أن الحــــروب َ

كـُراتٌ تطيرُ..وشعبٌ يقـَامرْ ؟!

ومن علمَ الأرضَ أن الدماءَ

ترابٌ يجفُ..وحــزنٌ يسافـــــــرْ

ومن علمَ الناسَ أن البطولـــــــة َ

شعبٌ يباعُ..وحكمٌ يتــــــاجرْ؟!

وأن العروشَ..عروشَ الطغاةِ

بلادٌ تئنُّ..وقهرٌ يجـــــــاهرْ

وكنا نـُباهى بدمِّ الشهيــــــــــــــدِ

فصرنا نباهى بقصفِ الحناجرْ!

<<<<

إذا ما التقينــــــا على أى أرضٍ

فليس لنا غيرُ صدقِ ِ المشاعرْ

سيبقى أخى رغمَ هذا الصـــراخِ

يلملم فى الليلِ وجهى المهاجرْ

عُدِّوى عدوى..فلا تخــدعونى

بوجهٍ تخفـّى بمليونِ ساتــــــرْ

فخلـــفَ الحـــــــدود عـــدوٌّ لئيــمٌ

إذا ما غفونا تطلُ الخناجـــــرْ

فلا تتـــركوا فتنـة َ العابثيـــــــــنَ

تشـِّوهُ عمرًا نقىَّ الضمائــــــرْ

ولا تغرسوا فى قلــوبِ الصغــار ِ

خرابا وخوفا لتعمَى البصــــائرْ

أنا من سنين أحـــبُّ الجـــــزائـــرْ

ترابًا وأرضًا..وشعبـــًا يغامـــرْ

أحبُ الدمــاءَ التى حررتــــــــــه

أحبُ الشموخَ..ونبلَ السرائرْ

ومصر العريقة ُ فوق العتـــــــابِ

وأكبرُ من كل هذى الصغــــائرْ

أخى سوف تبقى ضميرى وسيفى

فصبرٌ جَميلٌ..فِللــَّيـــل ِ آخــرْ

إذا كان فى الكون شىءٌ جميـــــل ٌ

فأجملُ ما فيه.. نيلٌ.. وشاعرْ

* نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
الأكثر قراءة