Close ad

"صاحب المقام" .. وسينما تحريك المياه الراكدة

8-8-2020 | 13:21

بعض الأفكار التى تطرح سينمائيا قد لا تروق لكثيرين، ليس للمشاهدين فقط، بل وحتى بعض من يكتبون في مجالات النقد السينمائى، والمثقفين، وتروق لفئة تتعاطى معها، وكأنها عثرت على غذاء روحي، وفي الثانية التي قد يكون الكلام عن فيلم صاحب المقام مرتبطًا بهم إلى حد كبير، نجد التفسير المنطقي لشغف هؤلاء بما جاء في الفيلم، وبالتأكيد ما قصده مؤلفه "إبراهيم عيسى"، وهو المنطق نفسه الذي تعامل به في عمليه السابقين مولانا والضيف.

هنا وأنا واحد من الفئة الثانية لا أرى في الأضرحة فسادًا في مفاهيم العقيدة، ولا تأليها لأشخاص، ولا كهنوتا في الدين، أنت من حقك أن تحب وليًا، وأن تتبارك بحبك له، طالما أنه من أولياء الله الصالحين، وهو ما تؤصل له الصوفية، وهنا أيضًا أقول الصوفية الحقة، لا التباركات بالمقامات والتمسح بها كشفعاء..

بنى "إبراهيم عيسى" فكرته على حب الناس البسطاء وتبركهم بالأولياء، وهو يعلم جيدًا أن ما يقدمه سيثير جدلًا، لأنه – أي الجدل – قائم بفيلم أو من غير فيلم.

والسلفيون سبق وأن حاولوا هدم الأضرحة في سابقات عدة، ومن ثم كان التلميح في الفيلم لهم واردًا، ومؤكدًا لأفكارهم.

والمؤلف لم يأتِ بجديد في الفكرة، لكنه صنع فيلمًا بديعًا، متكاملًا من حيث السرد، وطريقة التناول، كتابة وإخراجًا، صحيح أنه تعمد في البناء اللعب بمشاعر المشاهد، كما هو الحال في الميلودراما القديمة التي تجعل المشاهد " يسح دموع"، لكنه أخذ المشاهد إلى مناطق جديدة، ودفعه خلفه ليبحث معه عن كل حالة يذهب إليها بطل الحكاية آسر ياسين فصنع خطًا واحدًا واكتفى بتفصيل الأحداث حوله، دون أن يعود بنا للمستثمرين، أو من تم اختطافهم في العراق، أو من تكون تلك السيدة التي تدعى "روح" وقامت بدورها باقتدار النجمة يسرا..

الحكاية ببساطة لرجل أعمال ورث شركة عن والده، حياته العملية هي كل شيء غير آبه بزوجته ولا حتى ابنه الوحيد، لديه قناعة ساعده فيها أحد مساعديه التوأم، وقام بدورهما أيضًا بدقة فائقة في علاقتهما ببطل الفيلم "بيومي فؤاد".

قرر رجل الأعمال يحيى "آسر ياسين" أن ينشئ "كمبوند" وهدم ضريح سيدي هلال؛ للحصول على مساحة أكبر، ومع التنفيذ بالهدم تنقلب حياته رأسًا على عقب، فتدخل زوجته "أمينة خليل" في غيبوبة، ويصبح الحل المثالي والذي اقترحت عليه "روح" التقرب للأولياء، ومن ثم كانت زيارته لهم، ومنهم ضريح الإمام الشافعي، حيث يلتقي برجل بسيط يحكي له حكايات البسطاء، وتفسيرات للخطابات التي تلقى في الصناديق، وكيف أن أصحابها ينتظرون من خلالها المدد، فيبدأ هو بتنفيذ المدد، يقضي حاجة من له حاجة، ومنهم من فقد ابنه في هجرة غير شرعية، ومن ماتت ابنته، ويبحث عن علاج الثانية، ومن تنتظر تأكيدًا للتوبة، حتى يصل إلى حالة فيها تتغير دواخله هو وهنا يكتشف نفسه.

الكلام عن تشابك فكرة الفيلم مع الفيلم الإسرائيلى "مكتوب" وهي عن شخصين قررا التوبة بالبحث عن أصحاب رسائل مكتوبة على حائط المبكى، ليس واردًا، وإن كانت الفكرة تتلاقى في الرسائل، لكنها لا تتشابه مع سرد مبني على حكايات إن دققنا فيها سنكتشف أنها من واقعنا، ونمر بها، وهنا أعود إلى الفئة الأولى الرافضة لفكرة الفيلم، وهى فئة لها حرية الرأى في الأخذ بالتصوف أو حب الأولياء، وهو ليس موضوعنا ولا حتى موضوع الفيلم، لأنه لم يقدم فتوى، ولم يسرد كما في "مولانا" أحاديث ويبحث في صحتها من عدمه.

قدم "صاحب المقام" رؤية لحال المصريين المتصوفة من خلال حكاية ملموسة، ما زال البسطاء يذهبون للأضرحة، وسيذهبون، ليس طلبًا في شفاعة، بل حب في آل البيت..
"آسر ياسين" قدم أجمل أدواره، فهو هنا ينقلنا إلى أداء أقرب إلى الكوميديا وهو في أحلك الظروف، لكنه معبر جدًا، "يسرا" التي تحولت إلى ميزان حساس لضبط إيقاع الأحداث، "محمود عبدالمغني" ممثل موهوب، عرف كيف يخطف اللحظة بدوره البسيط، حتى "ريهام عبدالغفور"، و"فريدة سيف النصر" والرائع - رحمه الله - "إبراهيم نصر"، و"وائل الفشني"، والطفل "عمر حسن"، و"محسن محيي الدين"، و"هالة فاخر"، ظهور ولو للقطة الواحدة، بالإضافة إلى فيلم أعاد فتح باب ما لنا في أولياء الله الصالحين وما لهم علينا من حب لا تبرك واعتقاد في النفع والضرر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: