ظهر مصطلح الفضاء السيبراني، أو الفضاء الإلكتروني، لأول مرة،عام 1982، في رواية خيال علمي، للكاتب William Gibson، باسم Neuromancer، ولا يوجد تعريف، واحد، متفق عليه، دولياً، لمصطلح الفضاء السيبراني، إنما بعض التعريفات، المقبولة، علي مستويات مختلفة، مثل الأمن القومي، وأمن المعلومات. وبعيداً عن رواية William Gibson، فالفضاء السيبراني لم يعد خيالا علميا، بل أصبح واقعا علميا، ذا تأثيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية.
فلغويا يشتق لفظ Cyber، من الكلمة اللاتينية Kubernts بمعني قائد الدفة، في إشارة إلي القيادة والإدارة، إلا أن اللفظ التصق، لاحقا، بكل ما يخص الفضاء Space، واستخدم في كل ما يتعلق بالإنترنت، بعد ظهوره، وانتشار استخدامه بشكل كبير. فصار من المعلوم أن الفضاء السيبراني، أو الفضاء الإلكتروني، هو الوسط الذي توجد به، وتعمل فيه شبكات الحواسيب الإلكترونية، في العالم كله، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر، وأنظمة الشبكات، والبرمجيات، وحوسبة المعلومات، ونقلها، وتخزينها، ومستخدميها من البشر والهيئات والمؤسسات.
ولا شك أن العالم كله أصبح يألف استخدام مصطلح الفضاء السيبراني، الذي أصبح جزءا من حياتنا، ولغتنا، وتواصلنا، حتي قيل إن حياتنا الجديدة أصبحت حياة الإنترنت تترابط كلها إلكترونيا، وتتواصل مع بعضها، بحيث تتجمع فيها المعلومات، وتكون قاعدة للبيانات، نستخدمها يوميا، وتشير الإحصاءات إلي وجود نحو 26.6 بليون جهاز، علي مستوي العالم، متصل بالإنترنت، أي أكثر من عدد سكان كوكبنا من البشر، وهو ما يخشي معه العلماء من ازدياد ظاهرة فقد السيطرة علي أنفسنا، حيث إهمال استخدام العقل البشري، في ضوء وجود أجهزة لحفظ المعلومات، ومقارنتها، وتحليلها. وفي ضوء هذا التراكم من المعلومات؛ سواء الشخصية، أو المعلوماتية، في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية... إلخ، أصبح من الضروري تأمين كل هذه المعلومات، ومن ثم ظهر مصطلح الأمن السيبراني أو الأمن الإلكتروني.
ومن هنا بدأ ظهور الأفكار، والخطط، والأساليب الخاصة بالحماية السيبرانية، بهدف حماية وتأمين الشبكات، والبرامج، والبيانات، من الهجوم، أو الاختراق، الإلكتروني، كما ظهرت حملات التوعية للمستخدمين، وفي ضوء إجراءات الحماية التي ابتكرتها الشركات، والمؤسسات، والهيئات، والدول، لتصبح عمليات الاختراق أكثر صعوبة، وأكثر تعقيدا، عن ذي قبل، خاصة في ظل اعتمادنا، شبه التام، في حياتنا اليومية، علي التكنولوجيا، بسلبياتها، وإيجابياتها، وصار الإنسان، مع الأسف، هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة.
وقد ظل الأمن السيبراني من أكثر الموضوعات التي تحظي باهتمام الحكومات، والدول، والمنظمات العالمية، واكتشف العلماء، أخيرا، بعض المواقع المصممة، خصيصا، لسرقة البيانات، فور الدخول إليها،لا سيما من الأفراد ذوي المكانة الخاصة، من المشاهير أو السياسيين، وقد تستغل هذه البيانات، فيما بعد، ضدهم في عمليات أكثر تعقيدا. كما أن وجود الوايفاي يسهل اختراق جميع الأجهزة المتصلة به، سواء في المنزل أو المؤسسة، كما أصبحت الفيروسات إحدي الوسائل المهمة في الأمن السيبراني، ورغم وجود برامج للحماية من الفيروسات، إلا أنها لا تستطيع حماية جميع الأجهزة، والبرمجيات، من الهجمات السيبرانية المعقدة، والتي تعتمد علي ثغرات أمنية في البرمجيات، والأنظمة، قد لا يعرفها بالأساس مصممو هذه البرمجيات.
وتنطوي هذه المنظومة علي المخاطر التي يتعرض لها الأطفال، ودور رب الأسرة في تأمينهم، في ظل نباهة هذه العقول الصغيرة، المتمكنة من استخدام هذه الأنظمة الحديثة، ويتعجب البعض عندما يفتخر الأب بأن من قام بإعداد تليفونه الجديد هو ابنه الصغير الذي أصبح «شاطر» في التعامل مع هذه الأجهزة الإلكترونية! ويأتي أول الإجراءات التي ينبغي علي رب الأسرة القيام بها هو الحد من الوقت الضائع للأطفال في استخدام هذه الأنظمة، كما أن اطلاع هؤلاء الأطفال علي محتويات لا تناسب أعمارهم، خاصة المحتويات التي تظهر في اليوتيوب،تجدر معالجته بتوطيد علاقة الصداقة بين الأب وأطفاله، للحدمن وصول هذه المواد لأيدي صغار السن، كما تأتي الألعاب الجديدة الخطرة، التي يتهافت عليها الأطفال، وتعرض الكثير منهم للخطر، بمحاولة تقليد محتواها، في قمة الاهتمام والحماية.
كما تؤكد بعض الدراسات خطورة الآثار النفسية، للفضاء السيبراني، علي صغار السن، من خلال الإفراط في التعامل مع هذه الأجهزة، بحيث تؤدي إلي انطواء الأطفال، مستقبلا، حيث يشعر الطفل بأنه ليس بحاجة إلي مشاركة وقته مع أصدقائه، مفضلا هذا الجهاز أكثر من الجلوس حتي مع عائلته، خاصة أجهزة الألعاب، المصممة لإجبار الأطفال علي الانغماس فيها، بنقلهم إلي أجزاء جديدة بها، بشرط النجاح في الجزء السابق، ليجد الطفل نفسه وقد أمضي ساعات، متواصلة، مع هذه اللعبة. وينبه العلماء، خاصة في مجالات علم النفس، أن الأعمار المعرضة لإدمان الألعاب الإلكترونية، تتراوح بين سن 8 إلي 13 عاماً، ووصلت حالات منهم للانتحار، نظراً لتأثيرها السيئ علي نفسية الطفل.
ولقد جاء إطلاق مصر للقمر الصناعي طيبة (1) للاتصالات، ليحقق لمصر نقلة نوعية للاتصالات، إذ يحقق هذا القمر الصناعي تقديم جميع الاتصالات الحكومية،والمدنية للأغراض التجارية، ليصبح الفضاء السيبراني هو فضاء اللانهاية، أو اللامعقول، الذي سيتطلب منا الكثير من البحث، والدراسة، الدءوبين، والموازيين لاستخدامه، قبل أن يحل علينا بالأفكار، والمفاهيم الجديدة علينا، ونحن غير جاهزين لها.
نقلا عن صحيفة الأهرام