عطفا على ما سبق نواصل الحديث عما شهدته مصر من إنجازات على مدار الأعوام الست المنقضية؛ لأنها شكلت واقعا مغايرا تماما لما قبل تلك المدة؛ فكانت مصر على شفا اختناقات كثيرة في مجالات متنوعة؛ منها أزمة الكهرباء كما شرحناها في المقال السابق؛ ومنها اهتراء الوضع الصحي وفشل المنظومة الصحية بالكامل.
فقد انتشرت الأمراض بشكل مؤلم؛ وعانى الناس ويلاتها؛ وما زاد معاناتهم؛ هي كلفة العلاج؛ وأتذكر أحد أقاربي عليه رحمة الله؛ الذي كان يعاني الإصابة بفيروس "سي"؛ وكانت آثاره قد تخطت حد الاحتمال بدرجات كبيرة؛ وكان ميسور الحال؛ فلم يقصر في حق نفسه في أي مرحلة من مراحل العلاج؛ وأتذكر أن كلفة علاجه في أيامه الأخيرة تجاوزت نصف مليون جنيه؛ كان ذلك في عام 2006.
اليوم ونحن نتجاوز منتصف عام 2020؛ استطاعت مصر وبكل فخر وعزة أن تقضى على هذا المرض العضال؛ ولم يتكلف المواطن المصاب جنيها واحدا؛ في واحدة من أروع ملاحم العطاء على مستوى العالم؛ فقد تم توقيع الكشف الطبي على كل المصريين؛ ولم يتم استثناء أحد حتى السجناء و المهمشين في كل بقاع مصر؛ ومن ثبتت إصابته؛ كان يتلقى العلاج المجاني؛ لدرجة أن هناك من تلقى العلاج من خارج مصر لجنسيات مختلفة؛ لتثبت مصر للعالم؛ قدرتها ومقدرتها على التخلص من هذا المرض اللعين بشكل عملي وملموس للقريب والغريب في آن واحد.
أضف لما سبق ما وجده البسطاء وأصحاب الجراحات العاجلة من رعاية طبية فائقة؛ أدلل عليها بما رواه لي أحد الأصدقاء؛ حينما عانت زوجته من وعكة صحية شديدة؛ فتوجه بها لمستشفى خاص؛ وبعد توقيع الكشف الطبي عليها؛ قالوا له أن كلفة العلاج كبيرة بما لا يستطيع تحمله؛ حتى نصحه أحد معارفه بالتوجه للقصر العيني؛ فذهب بها؛ لتقضي به؛ خمسة عشر يوماً تحت إشراف نخبة من كبار الأطباء؛ لم تدفع جنيهاً واحداً؛ حدث كل ذلك دون تدخل من أحد؛ وقتها قال لي؛ إنه شعر بأن روحه عادت لجسده مرة أخرى؛ بعد أن شعر بأن زوجته تضيع من بين يديه؛ وهو لا يملك من حطام الدنيا ما يعينه على علاجها.
قصة هذا الصديق وغيره من آلاف الناس البسطاء؛ تجسد واقعا محترما؛ ظل المواطن المصري يحلم بوجوده على مر سنوات كثيرة؛ ظل الحلم حلماً حتى جاء اليوم الذي تحقق فيه؛ وهو مرفوع الرأس موفور الكرامة.
ولو أردنا أن نتحدث عن الحملات الصحية التي تمت للكشف على المصريين؛ بما فيها المرأة المصرية؛ كثيرة ومبهرة، تغلفها القيم الإنسانية النبيلة، التي تعيد للإنسان ثقته في نفسه وفي وطنه.
لنصل إلى ما واجهه العالم حينما اجتاحته الكورونا؛ وشهدنا جميعا ما عانته الدول الكبرى من أزمات شديدة جدا؛ من نقص في الإمكانيات الطبية وزيادة في الوفيات بسببها؛ وهلل أصحاب النوايا السوداء لما يمكن أن تفعله مصر؛ لاسيما أنها بحسب زعمهم لن تستطيع مواجهة الكورونا.
إلا أن الله خيٌب ظنهم؛ لأننا نستطيع الآن و بثقة واضحة؛ أن نؤكد أن مصر نجحت بشكل طيب ورائع في مواجهة هذا الفيروس القاتل؛ والوقائع على الأرض تُعضٌد هذا القول؛ كل ذلك وأكثر يؤكد أن مصر خطت خطوات معتبرة صوب تقويم منظومة الصحة بآليات معلومة و مُجربة؛ وقد يقول قائل أننا أمامنا شوط آخر حتى تكتمل المنظومة وتؤتي ثمارها المأمولة؛ بشكل أكثر شمولاً؛ لنرد بأن الدولة عازمة تماما على بذل المزيد من الجهود لتغطي منظومة التأمين الصحي كل مواطنيها؛ ولأن المقدمات التي شهدناها جميعا؛ كانت محل احترام الجميع؛ تعني أن النتائج المتوقعة بإذن الله ستكون محل رضا الجميع؛ ولأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة؛ فإن كل الخطوات المُشار إليها تنبئ بوجود مستقبل أفضل بإذن الله.
وإلى أن نلتقي دمتم في رعاية الله
[email protected]