لم تكن أوروبا بموقف ضعيف بل متهافت، كما هى الآن أمام تركيا. تدرك مدى الضرر الذى تسببه سياسات أنقرة على أمنها لكنها لا تستطيع فعل شيء ذى قيمة. تصريحات قاسية من بعض زعمائها، لكنها تتبخر على الأرض، الأمر الذى يعطى أردوغان الفرصة لتنفيذ سياساته التوسعية بالمنطقة وضد أعضاء الاتحاد الأوروبى ذاته.
تاريخيا، هناك تداخل أوروبى تركي، إن على صعيد الحدود أو الجاليات التركية، خاصة بألمانيا، أو العلاقات الأمنية والعسكرية، أو عضوية أنقرة بحلف الأطلنطي. تدرك أوروبا أنها لا تستطيع تجاهل أهمية تركيا، لكنها غير قادرة على لجم تحركات أردوغان.
انتهاك للمجال الجوى والمياه الإقليمية لليونان والتحرش بها والتنقيب بالمنطقة الخاصة بقبرص والعدوان على ليبيا. ماذا فعل الاتحاد الأوروبي؟ تبنى فى نوفمبر الماضى عقوبات اقتصادية وحذر من تجميد أصول قيادات وشركات تركية. لكنه لم يتحرك لتطبيق العقوبات، كما تقول ناتالى توتشى أستاذة العلوم السياسية بجامعة أكسفورد، ولا يبدو أنه سيتحرك مستقبلا.
تخشى أوروبا من أن أردوغان الذى لا يمكن التنبؤ بسلوكه. قد يفتح الحدود أمام مئات الآف من اللاجئين السوريين لدخول أوروبا، وربما غزا المنطقة التركية بقبرص. قبل أسبوعين، وصلت العلاقات الفرنسية التركية لأسوأ مراحلها بعد أن اكتشفت باريس أن البحرية التركية التى تشارك الأطلنطى بتنفيذ حظر الأمم المتحدة على تهريب أسلحة إلى ليبيا، هى من يدعم التهريب، ولم يحرك الحلف ساكنا، مما دعا باريس للتهديد بالانسحاب منه. يدرك الرئيس التركى أن أوروبا منقسمة على نفسها، وفقدت شهيتها على المواجهة، كما أن الأطلنطى لن يغامر بوقف عضوية بلاده أو معاقبتها، لذلك يمارس لعبة الابتزاز بأقصى ما يستطيع سواء بالمطالبة بعشرات مليارات الدولارات بدعوى وقف تدفق اللاجئين أو توسيع مناطق نفوذه، وليبيا مثال واضح.
أحد أسباب ثقة أردوغان، أن إدارة ترامب تغض الطرف عن انتهاكاته بل أحيانا تدعمها من وراء ستار، تارة للوقوف بوجه الوجود الروسى فى ليبيا، وتارة أخري، كراهية بالاتحاد الأوروبى ورغبتها بتفكيكه. وفى كل الأحوال، يواصل أردوغان إطلاق العنان لمغامراته وعدوانه.
* نقلا عن صحيفة الأهرام