Close ad

"رونا" و"تورا" .. وصفة لحماية المستقبل

25-7-2020 | 22:12

كانت المرة الثانية التي أذهب فيها للعمل في جامعة بيرجن بالنرويج.. وما إن وصلت إلى المطار وأنهيت إجراءاتي وخرجت، حتى وجدته يحمل لافتة مكتوبًا عليها اسمى.. توجهت إليه وبعد تبادل التحية أخبرني أن اسمه "تورا Tore" – فى اللغة النرويجية ينطق حرف E مفتوحًا مثل حرف A - وأنه جاء لاصطحابي إلى محل السكن الذي دبرته لي الجامعة للإقامة فيه أثناء فترة عملي بها.

وفى الطريق قال: أنا أعرفك، ألا تتذكرني؟ كنا نتبادل التحية والحديث أحيانا عند ماكينة القهوة فى المكتب.. نظرت إليه جيدًا وقلت: نعم نعم أتذكرك، كيف حالك؟ وكان من الطبيعي أن أفهم من وجوده في المطار أنه يعمل في قسم العلاقات العامة، وانطلق لسانه بما دار في عقلي من تساؤل، فوجدته يقول لي: أنا المدير الجديد! وأخبرني أنه قد حل محل المدير السابق البروفيسور "رونا Rune" الذي رشحه لتولي ذلك المنصب قبل أن ينتقل للعمل في مكان آخر.

ماذا؟ المدير، يعني رئيسي المباشر ينتظرني في المطار وفي يده لافتة تحمل اسمي؟ ويقود السيارة بنفسه ويحمل معي حقائبي إلى الغرفة، ويعتذر لي لعدم تمكنه من إحضار بعض المستلزمات المعيشية التي توفرها الجامعة للباحثين الجدد، ويعدني بأنها سوف تكون جاهزة معه في الصباح عندما يحضر لاصطحابي إلى المكتب!
 
أخبرته يومًا برغبتي في حضور مؤتمر تنظمه إحدى الجامعات في الهند، فاقترح أن أشارك في في مؤتمر يكون مكانه أقرب نظرًا لارتفاع تكاليف المشاركة والسفر إلى الهند، وبالفعل وافق فورًا على حضوري مؤتمر آخر في ألمانيا.
 
وفي يوم جاء إلى مكتبي واستأذنني في الذهاب إلى مكتبه بعد الانتهاء من عملي.. فوجئت به يخبرني باستحالة سفري إلى ألمانيا نظرًا لضرورة حضوري فعالية أخرى تنظمها الجامعة في نفس الفترة!!

تقبلت الأمر بهدوء، وهممت بالانصراف لكنه فاجأني بالسؤال: هل ما تزال هناك إمكانية لحضور المؤتمر فى الهند، قلت: نعم، قال حسنا ابدأ الإجراءات للمشاركة، ذكرته بارتفاع التكاليف، قال: لقد أخطأت عندما وافقت على سفرك إلى ألمانيا دون أن أراجع جدول الأعمال، وتصحيحًا لخطأي سوف تحضر المؤتمر في الهند ولو تحملت النفقات بنفسي! وفعلًا سافرت وحضرت المؤتمر في الهند.
 
وفي أحد الأيام قابلت مديري السابق "رونا Rune"، وسألني كيف الحال مع المدير الجديد؟ واحترت، هل يتضايق إذا أخبرته أن المدير الجديد رائع بكل معنى الكلمة، أم أخبره أنه يقوم بعمله بشكل جيد، مع ترك مساحة للمدح فيه عندما كان هو المدير، أم ألتزم الصمت؟!

وبرغم خبرتي بأهل تلك البلاد، اكتشفت في تلك اللحظة أن هناك الكثير ما يزال خافيًا عني عندما بادرني قائلًا: أنا على يقين أن أداءه أفضل من أدائي عندما كنت مديرًا، إنه طموح ولديه أفكار جديدة باستمرار، ويجيد التعامل مع مرؤوسيه، ولا يتأخر في تنفيذ أي شيء مفيد لنجاح العمل. 

وكأنه قد أعطاني إشارة البدء، فأخبرته عما يفعل معي ومع زملائي الباحثين، وسألته: هل أنت فعلًا من رشحه لذلك المنصب؟ قال: نعم لأننى كنت أرى فيه إضافة للمكان، ومزايا كثيرة لم تكن تتوافر لي، وهذا بالتأكيد سوف يساعد على تنفيذ أهداف القسم ونجاحه.
 
الرائع في الأمر ليست الكلمات، ولكن الشعور بحرارتها وصدقها، وأنه ما فعلها إلا قناعة بأن هذا هو الدفاع عن المستقبل "كما يجب أن يكون".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة