Close ad

كتابان لأبوالغيط.. هدية لأبناء المنسى ولكل أبنائنا

20-7-2020 | 14:54

أوراق كثيرة، وكتب، وكتابات تمر بحياتنا، عبر مراحل التاريخ، ترصد، وتحلل، وتؤرخ، لكننا نتساءل دائما: ما الذى يعيش منها؟.. فليس كل ما يُكتب يعيش، لكن هناك دائما ما يمكث فى الأرض، وهو ما ينفع الناس.

مؤخرا، قرأت خبر استقبال السفير أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية الثامن والحالى، ووزير خارجية مصر (2004- 2011)، أبناء وأسرة الشهيد العقيد أركان حرب أحمد صابر المنسى (1978- 2017)، الذى رحل بعد أن سطر بدمائه الزكية، هو وزملاؤه، بطولة ستعيش بيننا أبد الدهر، لتؤكد لنا أن مصر بلد متسامح، وحر، وأبىُّ، يرفض الإرهاب والتطرف أسلوبا للحياة والحكم، حيث تحدث معهم عن أبيهم، وما زرعه فينا من قيم تجسد مصريتنا، وأهداهما كتابيه «شاهد على الحرب والسلام». و«شهادتى».

وقد رصد أبوالغيط فى الكتاب الأول حروب مصر فى العصر الحديث «48 و49 و 56 و67، وصولا إلى حرب 1973»، ساردا روايات وقصصا تفصيلية تاريخية لأحداث الحروب، وصولا إلى السلام ومفاوضاته المرهقة والصعبة، ليس بعمق المتابع أو المسئول فقط، ولكن أيضا بصدق وإخلاص وصل إلى درجة التجرد، والتى قلما يصل إليها الإنسان، لكى يكون متاحا لمن يريد أن يعرف حقائق الأشياء، ولا يهرب من تحمل المسئوليات والتبعات، من الأجيال القادمة.

وفى الكتاب الثانى أدلى أبوالغيط بشهادته عن دوره عندما أصبح وزيرا للخارجية لمدة 7 سنوات مليئة بالصعوبات، مثَّلَ مصر خلالها، وصاغ السياسات الخارجية، فى مختلف المحافل، وعبر الأحداث، وقد سبق أن كتب عنهما بعنوان «المهمة الانتحارية فى الزمن الصعب»، وعلى الفور رجعت إليهما، وأعدت القراءة بتمّعُن- فنحن فى زمن عادت تطل فيه تحديات الحروب على بر مصر من جديد، ونرى حشودا حول النهر، وفى البحر، والبر، تحاصرنا فى كل الاتجاهات الجغرافية، كلا بأسلوبه؛ من يمارس التجارة باسم الدين، أو يسرق المياه، أو الأرض، ويخرب العقول، والمنشآت فى الداخل، والخارج، ويحاول أن يُخرجنا من حالتنا، التى تركزت حول البناء والتنمية، منذ أن خرجنا من كارثة 67 بانتصار 73، وبناء جيش حديث مُلهم وقوى، لا يعتدى ولكن يحرس مصالح وقِيم مصر، ومؤمن بعروبته- لكى أحاول أن أسترجع ما مر بوطننا من محن، وكيف اجتازها، وهذا يحتاج منا جميعا هذا الاهتمام، حتى لا تَسرقنا الدعايات، أو تصل بنا إلى غياب الوعى، كما حدث فى فترات مختلفة من تاريخنا، والأكاذيب المنتجة والمروجة لها، التى أصبحت مهنة معاصرة لها أساطينها، ومؤسساتها، التى تعمل باستمرار، وتضخ، وتخرج كتابات، ودراسات تحمل شكلا جميلا، بل أسلوبا يَفيض باتجاهات تهز العقول، وتخرب النفوس، ومضمون مغلّف برؤى تدميرية تمهد للثورات، والفوضى العارمة، التى أصبحت لديهم خلاَّقة.. أعود إلى كتابىّ السفير أحمد أبوالغيط، اللذين أؤكد صعوبة عرضهما فى هذه المساحة، ولكن ما يجعلنى مطمئنا إلى أنهما وصلا إلى أكبر عدد من المصريين على اختلاف مستوياتهم، وكذلك العرب، الطبعات المتلاحقة والمتتابعة، التى صدرت منهما، فبين يدىَّ الطبعة «الحادية عشرة- الترجمة الإنجليزية»، وفى هذين الكتابين تحدث أبوالغيط بصدق وصراحة عن اضمحلال الدور المصرى فى فترة من الفترات، وخلط الأوراق بين السياسة والدبلوماسية، ومرتكزات السياسة الخارجية، وأسبابها، ودوافعها، والظروف التى دفعت إلى اتخاذ بعض القرارات، والعوامل التى تحكم صانع القرار، وكيف نجح فى تفنيد أكاذيب من يحاولون أن يجعلوا من مصر «إيران» أخرى، أو «تركيا» جديدة فى المنطقة، بحجج مختلفة، فى أسلوب السياسة الخارجية، وكيف خرجنا من هذا المأزق، واتجهنا إلى أن نجعل من مصر بلدا يحافظ على تأثيره، ورسالتة الإنسانية السلمية..

إن الكتابين يدعوان إلى أن ندرس مليا، وبعمق، الأوضاع الإقليمية والدولية فى عالم اليوم، وأن نعرف أصدقاءنا، وخصومنا الحاليين، والمحتملين، كما يجب أن ندرس كل عثراتنا فى تاريخنا المعاصر، سواء فى بداية الدولة الحديثة، وعصر محمد على، وربما مع على بك الكبير، فى الربع الأخير من القرن «18».

إننى على يقين أننا نسعى للانتصار فى معاركنا الراهنة، وفق الثوابت التاريخية، والقوانين الدولية، سواء مع جيراننا الأتراك، أو الإيرانيين، أو حتى فى أعالى النيل مع إثيوبيا حول المياه، وهذا يستوجب أن نعرف أخطاءنا الكثيرة فى إدارتنا للصراع مع إسرائيل، خاصة فى أثناء حرب فلسطين الأولى فى عامى 48 و49، وسلسلة الحروب التالية فى أعوام 56 و67 و1973، فلقد حاربت مصر فى معارك كثيرة على مدى قرنين، وكان لها انتصارات وانكسارات، ولا يغيب عنها دائما أن الحرب هى مجرد امتداد للسياسة بوسائل أخرى..

نحن أمام شهادة تاريخية بكل المقاييس الأخلاقية والعلمية للسفير أحمد أبوالغيط، الذى قام بأدوار كثيرة فى مرحلتى حكم الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، على مدى 45 عاما من تاريخنا، كان خلالها فى مواقع متعددة للمسئولية، وتمتع بدقة متناهية، وأمانة فائقة، جعلته يعرف الكثير، ويرصده، ويحلله، بموضوعية كاملة، وهو الذى لم يعطِ نفسه أكثر من حقها، ولم يَغبن حق الآخرين، فقد ذكر كل الأدوار منذ عمله دبلوماسيا فى مكتب مستشار الأمن القومى محمد حافظ إسماعيل، وأسامة الباز مستشار الرئيسين لأكثر من 3 عقود، وصولا إلى وزراء الخارجية المتعاقبين، وعمله معهم ما بين دبلوماسى وسفير، ثم تقلده منصب وزير، حيث إن موقعه جعله مطلعا على أكثر من جهاز من أجهزة الدولة، ليرصد الأدوار والمواقع، ويجعل القارئ كأنه يعيش فيها.

عندما تقرأ لأبوالغيط، ستعرف كيف كنا، وكيف أدرنا صراعاتنا، وسوف تتوقف، لأنك لست أمام وزير يكتب شهادة، ويغسل «يديه، وينظف صفحته، بل أمام كاتب، ومحلل، يرصد حالة مجتمع، وهمه أن يحميه، ويُحصِّن تطوره، عبر مراحل التاريخ، ويقدم رؤى، وتحليلا دقيقا، ليس للماضى، أو تبريرا لسياسات، وإنما توصيفا لحالة وطن وأمة تتطلع إلى المستقبل بلا خوف أو عقد من النقص، وأن تبنى نفسها، وتمنع التدخلات الخارجية فى شأنها، وكيف أنها تُعلى من قيمة الإنسان، ولا تتعالى على أحد.. وأخيرا، فإن البلد الذى يملك عقل وصلابة أحمد أبوالغيط والمنسى، وغيرهما كُثُرُ، لن يُهزم أو يتقهقر أبدا.

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
إجبار إسرائيل على التوقف

الحرب يجب أن تنتهى الآن فى غزة، خصوصا عندما تصل إلى المربع الأخير، أصبح كل فريق على أرض المعركة فى غزة، وخان يونس، وأخيرا رفح، عليه أن يعيد حساباته، والنظر

في ظلال الذكرى والطوفان

رحلة الإسراء والمعراج فى وجدان كل مسلم. وفى ظلال الأزمة الطاحنة التي تعيشها منطقتنا، جددت حرب طوفان الأقصى ولهيبها على أبناء غزة وأطفالها ذكرى هذا الحدث