Close ad

المسكوت عنه في ملف السد الإثيوبي

7-7-2020 | 14:49

المتابع لمسار التفاوض بين مصر وإثيوبيا حول مشروع «سد النهضة» على مدى أكثر من عشرين عاماً، في مقدوره أن يخرج بنتيجتين مهمتين يجب ألا تغيبا عن المفاوض المصري.

النتيجة الأولى أن إثيوبيا لا تريد الوصول إلى اتفاق متوازن يؤمن ويحفظ حقوقاً متوازنة للدول الثلاث المتنازعة حول حقوقها المائية فى مياه نهر النيل. إثيوبيا باعتبارها «دولة المنبع» والسودان باعتبارها «دولة ممر» للنهر، ومصر باعتبارها «دولة المصب».

إثيوبيا تماطل لكسب الوقت حتى يكتمل بناء السد ويتحول إلى «أمر واقع»، عندها تبدأ فى الإفصاح عما تريده، وما تريده هو فرض السيادة الإثيوبية الكاملة على النيل، فهى ترى نفسها المالك الوحيد للمياه، وترفض أى حقوق مصرية أو سودانية فى مياه النيل، سواء كانت هذه الحقوق حقوقاً تاريخية مكتسبة من اتفاقيات ترفضها إثيوبيا باعتبارها «إرثاً إستعمارياًّ»، أو كانت اتفاقيات وقعت عليها إثيوبيا بإرادتها السياسية المستقلة خاصة «اتفاقية التعاون الإطاري» لعام 1993، واتفاقية «إعلان المبادئ» لعام 2015، بدليل رفضها التوقيع على الاتفاق المتوازن الذى توصلت إليه مفاوضات واشنطن فى فبراير الماضي، وهو الاتفاق الذى كان يرتكز على المبادئ التى تم النص عليها فى «إعلان المبادئ» الذى وقعت عليه إثيوبيا فى مارس 2015.

النتيجة الثانية، وربما تكون الأهم أن هذا السد الإثيوبى الذى أعطاه الإثيوبيون اسم «سد النهضة» فى محاولة كاذبة للادعاء بأنه المشروع الذى سيجعل إثيوبيا تنطلق بقوة فى مسار النهضة والتنمية، ليس سدّاً للنهضة الأثيوبية بقدر ما هو سد لمنع الحياة عن الشعب المصري، أى أنه «مشروع سياسي» مائة فى المائة وليس مشروعاً تنموياً، بدليل أن إثيوبيا لا تعتمد على مياه النيل الأزرق كمورد مائي أساسى فى الزراعة والري.

فوفقاً للأرقام الموثقة فإن إثيوبيا تعتمد على مياه الأمطار للرى بنسبة 99٫5% من احتياجاتها، أى أنها لا تعتمد على النيل بأكثر من 0٫5% فقط من احتياجاتها. لذلك لم يوجد تاريخياًّ فى إثيوبيا نظام للرى ولا قنوات فرعية ولا غيرها من الآليات التى تؤكد اعتمادها على النيل كمورد مائي.

وما يدحض أى إدعاء إثيوبى بأن إثيوبيا عازمة مستقبلاً على الاستفادة من النيل كمورد مائي للري أن «سد النهضة» جرت إقامته فى شمال البلاد، ما يؤكد أن مياهه من المستحيل أن ترتد جنوباً بسبب شدة انحدار الهضبة الإثيوبية من الجنوب إلى الشمال، أى أن المياه المحبوسة فى البحيرة لن تفيد إلا الجزء اليسير من أراضى شمال إثيوبيا .

كما أن كل ما تسعى مصر إلى تأمينه من مياه النيل هو فقط 55 مليار متر مكعب وهى كمية ضئيلة جدًّاً إذا قورنت بما يهطل على إثيوبيا والسودان من أمطار غزيرة سنوياً تتجاوز 1050 مليار متر مكعب تهطل على إثيوبيا وحدها.

هذا يؤكد أن السد الإثيوبى لا يعد استجابة لحاجة مائية إثيوبية، وإذا أخذنا فى الاعتبار أن إجمالى ما تأمل إثيوبيا تحقيقه من كهرباء سيتم توليدها من توربينات السد لا تتجاوز 6 جيجا/وات، وهى كمية لا تصلح لتحقيق نهضة حقيقية، وكان يمكن الحصول على أضعافها من محطات توليد الكهرباء على نحو ما فعلت مصر التى نجحت، وخلال ثلاث سنوات مضت، فى توفير كهرباء تقدر بـ 13 جيجا/وات من محطات تعمل بالغاز الطبيعي، إلى أكثر من ضعف ما يتوقع أن يوفره السد لإثيوبيا من كهرباء.

نتيجتان تؤكدان أن المستهدف من هذا السد ليس النهضة الإثيوبية، ولكن أن يكون السد أداة ضغط وتحكم فى الإرادة الوطنية المصرية لمصلحة أطراف أخرى هى الداعمة والممولة والحامية لهذا السد، وهذا الاستنتاج يجب أن يكون، من الآن، محور إدارة مصر للصراع الدائر حول هذا السد، باعتباره صراعاً حول حرية واستقلالية الإرادة الوطنية المصرية.

وكما أن العقوبات التى تفرض هذه الأيام خاصة من الولايات المتحدة على كثير من الدول تفرض لتحقيق أهداف سياسية فإن الضغوط والتهديدات التى يمكن أن تتعرض لها مصر من إقامة هذا السد تعتبر «عقوبات مائية» لتحقيق أهداف سياسية ليس شرطاً أن تكون أهدافاً تخدم مصالح إثيوبية بحتة ولكن ربما تخدم أكثر مصالح الدول التى تدعم وتمول وتحمى مشروع هذا السد وتدافع عنه.

جلسة مجلس الأمن الأخيرة (الاثنين 29/6/2020) فضحت مواقف الكثير من الأطراف، التى لم تتجاوب مع المسعى المصرى الذى عوّل كثيراً على مجلس الأمن للتدخل كطرف أساسي لحل أزمة سد النهضة باعتبارها أزمة تهدد الأمن والسلم الدوليين. المجلس تجاوب مع الدعوة الإثيوبية التى تبناها، بكل أسف، مندوب جنوب إفريقيا، بانتقاد التكييف المصرى للأزمة بأنها «تهديد للأمن والسلم الدوليين» واعتبرها مجرد أزمة حول مسائل تنموية. كما أن المجلس تجاوب مع الدعوة الإثيوبية المدعومة من دولة جنوب أفريقيا، بأن يكون الاتحاد الإفريقى هو الوعاء الأنسب لمعاودة التفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا لإيجاد حل للأزمة يحقق مصالح كل الأطراف.

مصر باتت مدعوة، فى ظل هذا كله، أن تفضح كل المسكوت عنه فى أزمة السد الإثيوبى سواء من ناحية حقيقة أهدافه باعتبارها عدواناً مدبراً على الشعب المصري، أو من ناحية الدول الداعمة للموقف الأثيوبي، فكثير من هذه الدول تربطها اتفاقيات تعاون أو صداقة مع مصر، وعلى مصر أن تخير هذه الدول بين الإبقاء على تلك الاتفاقيات واحترامها بالتزام هذه الدول بدعم المصالح الحيوية المائية لمصر فى صراعها مع إثيوبيا وبين إنهاء تلك الاتفاقيات إذا ما اختارت هذه الدول أولوية انحيازها لإثيوبيا .

لم تعد ازدواجية المواقف مقبولة أو ممكنة، بعد أن حسمت مصر موقفها من الصراع حول السد الإثيوبى باعتباره دفاعاً عن حقوقها المشروعة فى مياه النيل وأنه «صراع على الحياة والوجود» لا يقبل مساومة ولا مهادنة.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مفاوضات اصطياد إيران .. الفرص والمخاطر

يعتبر اليوم الثلاثاء (23 فبراير 2021) يوما فارقا بالنسبة لمسارات حل أو تأجيج الأزمة المتفجرة هذه الأيام حول الاتفاق النووى الذى وقعته «مجموعة دول 5+1»

خيار «الدبلوماسية المبدئية» اختبار لإدارة بايدن

فى أوج التصعيد المتبادل بين إيران من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة من جهة أخرى دفعت واشنطن بموقفين متناقضين بخصوص كيفية حل معضلة الأزمة المتفجرة حول الملف النووي الإيراني.

عقبات أمام الوساطة الأوروبية

يبدو أن إيران أدركت وجود عوائق كبيرة وحسابات معقدة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووى الذى انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد

الأكثر قراءة